الموهبة والإبداع

الموهبة والإبداع

21 مايو 2019
+ الخط -
بعد انصراف التلاميذ نهاية حصة دراسية، جاءني أحدهم قائلاً: أستاذ، أنا أحب الرسم وكتابة الشعر، وأنا كل يوم أكتب شيئاً وأرسم شيئاً يقربني إلى تحقيق ما أرومه. قلت: أحسنت فعلاً، هكذا يكون العمل بُغْية تحقيق الأماني. رد علي قائلاً: فهل أنا موهوب، أم مجرد هاوٍ يحاول أن يثبت نفسه في فنين لا يتقنهما إلا الموهوبون؟ جاءني الرد مثيراً للتساؤلات، فهل هذا التلميذ موهوب؟ هل هو مجرد هاو بلا موهبة؟ هل يستطيع أن يصل حد المهارة والإتقان في الفنين؟
قلت له: حسناً، بما أن الوقت ضيّق والموضوع واسع الأبعاد وكثير الجوانب، أعدك بأن آتيك غداً بما يجعلك تقف على حقيقة ما سألتني عنه فأبشر. في اليوم التالي، سلمته ورقة كتبت فيها جواباً على سؤاله الذي فاجأني به، وجاء كالتالي: الباحث عما تعنيه الموهبة في المعاجم، سيجد كونها الاستعداد الفطري الذي يحقق قابلية التفوق في مجال معين. فهي المؤهلة والمسهلة والدافعة للأفراد إلى تحقيق التفوق والنبوغ في الفنون وغيرها من المجالات، شريطة الصقل والتمرن المكثف ممن لهم دراية بذلك، فالموسيقيون والرسامون والشعراء والممثلون وغيرهم، ولدوا يحملون استعداداً فطرياً عملوا على الرقي به نحو النضج الإبداعي والمهاري المتقن.
والموهبة وحدها لن تكفي للوصول إلى المبتغى من دون الاحتكاك بالخبراء والأساتذة، وكل من بإمكانه اكتشاف الموهبة للعمل على شحذها وصقلها وتهذيبها. وبذلك نستنتج أنّ الموهوبين أناس يتم الاهتداء إليهم من قبل مختصين ومحترفين، حين يتضح لهم أنهم يملكون الاستعداد والقدرة الخاصة لتحقيق التفوق، وبهذا فلا تكفي الموهبة ما لم تكتشف وتصقل صقلاً لتحقيق المبتغى. والقول إن الموهبة وراثية لا يستقيم إذا علمنا أن هناك من يمتلك مواهب، سرعان ما اختفت ولم يستفيدوا منها، وأن آخرين تفتحت مواهبهم بعد الانخراط في التدرب على بعض الفنون، ووصلوا فيها درجات متميزة. وانطلاقاً من هذا المعطى، يمكن الحديث عن الهواية تمييزاً لها عن الموهبة التي تحدثنا عنها. فالهواية لإبداع ما، يمكن اكتسابها عن طريق الاستمالة إليها من قبل مبدعين أو مدرسين فتتحول إلى عنصر إيجابي وكأنها موهبة تصقل، فينتهي بها الأمر إلى ما ينتهي به أمر الموهبة التي تخضع للشحذ والصقل والتنمية. حين أعطيت الورقة الحاملة للأجوبة للتلميذ، دسّها في محفظته، وكأنه يخاف إطلاع غيره عليها، فالأمر يخصّه وحده. وحين عاد إليّ في الحصة الدراسية الجديدة، شكرني شكراً جزيلاً، عرفت أنه أدرك حقيقة ما سألني عنه قبل أن يُقرّ بذلك.
لحسن ملواني
لحسن ملواني
لحسن ملواني
كاتب مغربي. يعبّر عن نفسه بالقول "الإبداع حياة".
لحسن ملواني