قبل تصنيف "الإخوان" أميركيّاً "منظمة إرهابية"

قبل تصنيف "الإخوان" أميركيّاً "منظمة إرهابية"

03 مايو 2019

إخوانيون أردنيون يتقدمون مسيرة في عمّان (9/2/2004/فرانس برس*

+ الخط -
تجدد الحديث عن احتمال تصنيف جماعة الإخوان المسلمين، أميركيّاً، "منظمة إرهابية أجنبية"، غير أن النقاش الجاري في الموضوع اليوم أكثر خطورة من الذي سبقه مطلع عام 2017، عند تسلّم دونالد ترامب الرئاسة. وبالتالي، الأمر جدٌّ هذه المرة لا هزل فيه، أو هكذا يفترض. مكمن الخطورة الحقيقي أن ترامب شخصياً يقف وراءه. ولا يعتمد صاحب هذه السطور، فحسب، على تقرير صحيفة نيويورك تايمز الذي كشف، الثلاثاء الماضي، النقابَ عنه، بل لم يتردد البيت الأبيض في تأكيد الخبر. وحسب الناطقة باسم البيت الأبيض، سارة ساندرز، "تشاور الرئيس مع فريق الأمن القومي وقادة المنطقة الذين نقلوا إليه قلقهم، ويتم العمل على هذا التصنيف من خلال إجراءات داخلية".
في المحاولات السابقة، كان أعضاء يمينيون في الكونغرس من يدفعون باتجاه تصنيف الإخوان إرهابيين، ثمَّ مع تولّي ترامب الرئاسة، حاولت أطراف إيديولوجية متطرّفة تحيط به إنفاذ هذا التوجه. ويطمع هؤلاء إلى توظيف ذلك مدخلاً إلى استهداف مؤسسات إسلامية أميركية مرموقة عبر ربطها، كذباً، بالإخوان المسلمين تنظيمياً. لكن تلك المحاولات فشلت، والسبب الرئيس المعارضة القوية التي جوبهت بها مساعيهم من المؤسسات السيادية الأميركية، وتحديدا في وزارتي الخارجية والدفاع، ومجلس الأمن القومي، والمُجَمَّعِ الاستخباراتي الأميركي. حذّر هؤلاء من التداعيات المحتملة لتصنيف مُسَيَّسٍ كهذا على السياسة الخارجية والأمن والمصالح القومية الأميركية. ومع أن تلك التحذيرات ما زالت قائمة، إلا أن تغييرات بنيوية عرفتها إدارة ترامب في الاثني عشر شهرا الأخيرة، أهمها إقالة أو استقالة الشخصيات "الناضجة" فيها، بدءا بوزير الخارجية السابق، ريكس تيلرسون، ومرورا بمستشار الأمن القومي السابق، أتش. آر. مكماستر، ثمَّ وزير الدفاع السابق، جيمس ماتيس. وقد حلَّ مكان الأول والثاني شخصيتان إيديولوجيتان متطرفتان، مايك بومبيو وجون بولتون، وما زالت وزارة الدفاع من دون وزير. والمعنى هنا أن ترامب ينحدر من دون كوابح تضبطه.
اللافت في هذا السياق أنه في وقتٍ يعارض فيه الخبراء والمهنيون المحترفون في المؤسسات 
والوكالات الأميركية المختصة محاولات تصنيف الإخوان، يدفع بومبيو وبولتون باتجاهه. وهنا مكمن الخطورة الثاني في الموضوع، إذ أن القرار يعود إلى وزير الخارجية بتوجيهٍ من الرئيس. وهذا لا يعني أن قرار التصنيف قد حسم، غير أنه أصبح اليوم أقرب إلى التنفيذ. وحسب الإجراءات، فإن مكتب تنسيق مكافحة الإرهاب التابع لوزارة الخارجية يراجع أنشطة المنظمة محلَّ النظر، بناء على معايير محدّدة، وإذا خلص إلى أنها ترتقي إلى مستوى التصنيف بالإرهاب، يعد تقريرا بذلك، يضمّنه نتائج مراجعته وأدلة ذلك. بعد ذلك، يتشاور وزير الخارجية مع وزيري العدل والخزانة، بإرسال قرار التصنيف إلى الكونغرس الذي ستكون أمامه مهلة سبعة أيام لإدخال تعديلات على القرار، أو ردّه. وفي حال لم تكن هناك معارضة من الكونغرس، ينشر القرار في الجريدة الفدرالية الرسمية، وحينها يصبح قانونا.
من الضرورة هنا التنبيه إلى أن الرهان على رد الكونغرس القرار، إن صدر، قد لا يكون أمرا حكيما. صحيح أن أغلب الديمقراطيين، وعددا من الجمهوريين، ليسوا مع تصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، وذلك اتساقا مع موقف الوكالات المختصة التي تعبّر عن المصالح الأميركية العليا، إلا أن الديمقراطيين قد يتردّدون في معارضة القرار، مخافة أن يستغله ترامب والجمهوريون ضدهم في انتخابات عام 2020. ولا داعي للتذكير هنا بأن الإخوان المسلمين تيار تمّت شيطنته أميركيّاً، أو يمكن شيطنته في الوعي الأميركي بسهولة. الأمر الثاني، أنه حتى لو صوّت كل الديمقراطيين ضد قرار التصنيف، فإن هذا لا يعني تعطيله، فالديمقراطيون يسيطرون على مجلس النواب، في حين يسيطر الجمهوريون على مجلس الشيوخ. وبالتالي، من الصعب تصوّر توافق المجلسين على رد القرار، مع بقاء فرصة ضئيلة في هذا الصدد، وهذه الفرصة تحتاج إلى استثمار كبير فيها.
إذا اجتاز قرار التصنيف العقبة المحتملة في الكونغرس، لن يتبقّى أمام الإخوان المسلمين غير اللجوء إلى القضاء الأميركي، وتحديدا إلى محكمة الاستئناف في مقاطعة كولومبيا، أي واشنطن العاصمة. حينها، سيكون أمامهم، كطرف متضرّر من قرار التصنيف، ثلاثون يوما للطعن عليه، وبعد ذلك لا يمكنهم الطعن عليه إلا بعد عامين على تاريخ صدوره. وهذا ما يتطلب من "الإخوان" استعدادا جيدا لمعركة قضائية بدءا من هذه اللحظة، بعد أن أضاعوا سنوات ثمينة، منذ عام 2015، منذ أن قدم أول مشروع قانون في الكونغرس لتجريمهم. والمفارقة هنا أن الإخوان في وضع قانوني قوي يؤهلهم، على الأرجح، إلى كسب هذه المعركة القضائية، إن وقعت. المشكلة، أنه لا تبدو ثمَّة إرهاصات على أنهم في وارد تحدّي القرار، إن صدر، قضائيا، على الرغم من التداعيات الكارثية المحتملة، سياسيا واقتصاديا وأمنيا، التي ستترتب على تنظيمهم وقياداتهم وأعضائهم. دع عنك احتمالات توظيف هذا القرار بطريقة شريرة، لاستهداف الوجود الإسلامي في الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي عبّر عنه غير مَرَّةٍ بعض من يدفعون به. الأدهى، ثمَّةَ حديثٌ أن إدارة ترامب تعتزم المضي في قرار التصنيف، لأنها تراهن على أن "الإخوان" لن يتحدّوه قضائيا في الولايات المتحدة.
ثمَّة ثلاثة معايير ينص عليها القانون لتصنيف أي منظمة إرهابية أميركيّاً. اثنان منها لا ينطبقان أصلا على الإخوان، أما الآخر الذي ينطبق عليهم، فإنه ينطبق من حيث التوصيف، لا من 
حيث المضمون. وهذه المعايير: أن تكون المنظمة المراد تصنيفها أجنبية. وهذا ينطبق على "الإخوان" توصيفاً. أن تكون المنظمة منخرطة في أعمال إرهابية، أو تملك القدرة والإرادة على الانخراط في أعمال إرهابية. وهذا المعيار لا ينطبق على الإخوان، فالتقارير الاستخباراتية الأميركية تنفي تهمة الإرهاب عنهم. ولأن الإخوان المسلمين جماعة فضفاضة، لا تملك هيكلا تنظيميا دوليا موحدا، صلبا وصارما، فإنه يصعب، قانونيا، تجريم كل تنظيماتها وتفريعاتها وفروعها بسبب تنظيم واحد محسوب على مدرسة الإخوان. مثال ذلك، حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، المُتَفَرِّعَةِ عن الإخوان، والتي تمَّ تصنيفها إرهابية، أميركياً، عام 1997، ولكن ذلك التصنيف لم يتعد إلى بقية الفروع والتنظيمات الأخرى. ثالثا أن تمثل الأنشطة الإرهابية للمنظمة محل النظر للتصنيف تهديدا لأمن المواطنين الأميركيين، أو الأمن القومي الأميركي، بما يتضمن السياسة الدفاعية أو العلاقات الخارجية أو المصالح الاقتصادية. وهذا المعيار، أيضا، لا ينطبق على الإخوان المسلمين.
احتمالات صدور قرار التصنيف هذه المرة أعلى من المرات السابقة، وإذا كنا تعلّمنا شيئا من رئاسة ترامب في العامين والنصف الماضيين، فهو أنه رئيس، في الغالب، يعد وينجز، يهدّد وينفّذ، وهو لا يلقي بالاً للتداعيات، ولا يأبه بالتحذيرات، ويملك قدرة على تجاوز نصائح مستشاريه والأجهزة المختصة التي تعمل تحت إمرته. شوهد ذلك في توتيره العلاقات مع الحلفاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ومع الاتحاد الأوروبي، ومع كندا والمكسيك، وكذلك في إعلانه حرباً تجارية على الصين. وفي تجاوزه نصائح مستشاريه في موضوع مقاربة العلاقات مع روسيا وكوريا الشمالية. كما رأيناه في انسحابه من الاتفاق النووي مع إيران، ثمَّ في الموضوع السوري، وفي قراره نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة.. إلخ. وترامب المتحرر، نسبياً، من سيف لجنة المحقق الخاص، روبرت مولر، ومن قيود "نادي الناضجين" من حوله، لن يتردد في إنفاذ وعده، إن استطاع، لدكتاتور مصر، عبد الفتاح السيسي، بتجريم الإخوان المسلمين، خصوصا وأن حلفاء آخرين له، وتحديدا في إسرائيل والسعودية والإمارات، يطالبونه بالأمر نفسه، كما أن الدائرة الضيقة من حوله تدفع في هذا الاتجاه.
وبناء على ما سبق، يرتكب الإخوان المسلمون خطأ فادحاً إن راهنوا على إمكانية إجهاض 
القرار المحتمل من داخل الإدارة نفسها، فقط، مفترضين تقديم حسابات المصالح الكبرى للولايات المتحدة. يؤكّد تقرير "نيويورك تايمز" نفسه الذي كان أول من كشف توجه ترامب هذا أن معارضي القرار، من المهنيين والخبراء في وزارتي الخارجية والدفاع، ومجلس الأمن القومي والمُجَمَّع الاستخباراتي، يعكفون على دراسة صيغ مختلفة تروم تصنيفاً جزئياً لبعض الكيانات المحسوبة على الجماعة، أو ربما تصنيف الجماعة الأم في مصر، من دون تصنيف بقية فروع الجماعة وتنظيماتها في الدول الأخرى، والتي قد تسبب تعقيدات أمام السياسة الخارجية الأميركية، كما في دول، مثل المغرب وتونس والأردن والكويت، وربما حتى تركيا، أين تشارك تيارات محسوبة، أو قريبة من الإخوان المسلمين، في الحكم. المشكلة، أنه حتى هذه الصيغة الجزئية لاسترضاء ترامب قد لا ترضيه، وهو ما يعيدنا إلى النقطة المركزية في هذا المقال، ومفادها بأن على "الإخوان" أن يتحرّكوا مباشرة للتصدّي قضائيا للقرار المحتمل، وقبل صدوره، أو أنهم قد يجدون أنفسهم أمام تحدٍّ وجودي جديد، ينضاف إلى التحديات الأخرى التي تواجههم.