هل تضرب أميركا إيران؟

هل تضرب أميركا إيران؟

18 مايو 2019
+ الخط -
تتصاعد التصريحات الإيرانية المتحدية للولايات المتحدة وإدارة الرئيس دونالد ترامب، في مقابل الإجراءات التي اتخذتها هذه الإدارة في تصعيد لسياستها في الضغط على إيران، من أجل الرضوخ لمطالب أميركية. وقال ترامب، إن الضغط الذي تتعرّض له إيران بات الأكبر على الإطلاق. صنفت الولايات المتحدة أخيراً، الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، في إجراء هو الأول من نوعه، في تصنيف جزءٍ من القوات المسلحة لدولة ما مجموعة إرهابية. كذلك قررت واشنطن إلغاء الاستثناءات المعطاة للدول لشراء النفط الإيراني، بغرض منع إيران من تصدير النفط تماماً. كما أضيفت عقوبات أخرى على قطاع التعدين، وهو الثاني في الاقتصاد الإيراني بعد النفط. وأصبح الوضع صعباً على النظام الإيراني الذي يواجه مصاعب اقتصادية واستياءً شعبياً.
اتبعت إيران سياسة متحدّية، وأعطت مهلة للدول الأوروبية من أجل التعامل معها، وإلا انسحبت من الاتفاق النووي الذي انسحب منه ترامب، بينما بقيت أوروبا ملتزمة به. تم رفض المهلة الإيرانية مباشرة، لكن الولايات المتحدة أعلنت قلقها من إجراء آخر، تقول إن إيران اتخذته، وهو أنها أعطت الضوء الأخضر للجماعات المرتبطة بها في الشرق الأوسط لأن تهاجم المصالح الأميركية. دخلت أميركا إثر ذلك في حالة إنذار عسكري وسياسي. وأعلن الأسطول الخامس الأميركي المتمركز في الخليج العربي حالة التأهب القصوى، وصدر تحذير لكل السفن الأميركية المدنية أيضاً باحتمالية استهدافها من إيران وتم إرسال تعزيزات عسكرية إلى المنطقة، أهمها حاملة الطائرات العملاقة إس إس أبراهام لنكولن. لكن كل تلك الإجراءات هي إجراءات حماية وتأهب للرد على أي هجوم، وليست استعدادات بدء حرب أو ضربة 
واسعة لإيران حتى الآن، فأميركا لا تهدف إلى بدء حرب مع إيران، والأهم أن إدارة ترامب، وعلى الرغم من تصعيدها الهائل الضغوط على إيران، فإنها لا تهدف إلى إسقاط النظام الإيراني، بل إلى تقييده. حتى إن ترامب قال في عز الأزمة قبل أيام، إنه يريد أن يتصل به القادة الإيرانيون من أجل التفاوض، وذلك هو السبيل الوحيد لإنقاذ إيران من مصاعبها الاقتصادية الكبيرة. لكنه أضاف، ويا للغرابة، أنه يريد أن تكون إيران قوية وعظيمة! كانت الردود الإيرانية المعلنة واضحةً في رفض عرض ترامب التفاوض، ولكن في السياسة كل شيء وارد وممكن، وقد تكون هناك اتصالات سرية موجودة الآن مع كل هذا التصعيد. في الحقيقة، كانت هناك قناة هاجمها ترامب، هي وزير الخارجية السابق جون كيري، الذي التقى الوزير الإيراني جواد ظريف مراتٍ منذ بدء إدارة ترامب. ولكن ما تسرب من تلك اللقاءات، أن كيري طالب ظريف بعدم الانسحاب من الاتفاق النووي، والصبر حتى عام 2020، حيث يعتقد الحزب الديمقراطي أنه سيهزم ترامب في الانتخابات الرئاسية، ثم العودة إلى الاتفاق النووي. هاجم ترامب كيري بشدة، واتهمه بالخيانة، ودعا الإيرانيين إلى الاتصال به مباشرة.
الساحة العراقية مهمة جداً في المواجهة الإيرانية الأميركية، وقد ألغى وزير الخارجية بومبيو زيارة لألمانيا، وتوجه إلى بغداد. وما صدر عن مباحثاته فيها طلبات دفاعية الطابع، تتلخص في الحصول على تعهد عراقي بحماية القوات الأميركية في العراق من أي هجوم للجماعات العراقية المرتبطة بإيران. وقد استخدم هو مصطلح الحماية. ولذلك ليس الحديث هنا عن ضغط أميركي على العراق، لأن يتخذ جانب أميركا في أي مواجهة عسكرية قد تحصل. وأطلع بومبيو المسؤولين العراقيين على أدلة توجيهات إيران للمرتبطين بها لمهاجمة المصالح الأميركية، ثم عاد الى بلاده مارّاً ببريطانيا، حليف الولايات المتحدة الأقرب، وشريكتها في أي حرب.
الوضع ملتهب في المنطقة. ولكن ليس هناك تحشيد إعلامي في واشنطن لحرب مع إيران، فالاستراتيجية الأميركية هي تصعيد الضغط الاقتصادي حتى ترضخ طهران لترامب، وتوقع اتفاقاً وفق شروطه هو، قد يختلف كثيراً أو قليلاً عن الاتفاق النووي الذي وقعته إدارة سلفه أوباما وانسحب هو منه، لكن أميركا لن تبدأ بالضربة العسكرية، هي فقط تزيد استعدادها للرد.
أما خيارات إيران فمحدودة جداً، وخصوصاً مع التحذير الأميركي الذي اعتبر أي هجومٍ من 
أيّ قوة مرتبطة بإيران هجوماً إيرانياً مباشراً. أصبحت الحرب بالنيابة صعبةً، لكنها تبقى خياراً أمام النظام الإيراني المحرج اقتصادياً، والقلق من التحركات الشعبية الداخلية التي تراهن عليها الإدارة الأميركية في التغيير. على الأرجح، ستلجأ طهران لاستمرار التصعيد اللفظي والسياسي من غير أي عمل عسكري مباشر، قد يستدعي رداً أميركياً مؤلماً. قد يوافقون على دعوة ترامب إلى التفاوض، وخصوصاً إذا خفف من شروطه وعقوباته. بمفاوضات مع الرئيس الأميركي أو بدونها، قد يصبر الإيرانيون، وهم المعروفون بالصبر، عاماً ونصف العام، إلى أن يخسر ترامب الانتخابات العام المقبل، ليصعد الحزب الديمقراطي إلى الحكم في أميركا، وخصوصاً أن المرشح الأبرز هو نائب أوباما، جو بايدن، من أجل العودة إلى اتفاق شبيه بالذي مزّقه ترامب.
4B109260-05A6-4A15-9F69-C3DBE398FBE4
4B109260-05A6-4A15-9F69-C3DBE398FBE4
رافد جبوري

كاتب وصحفي عراقي، مراسل تلفزيون العربي في واشنطن، له مقالات وبحوث منشورة باللغتين العربية والانكليزية، ماجستير في التاريخ المعاصر والسياسة من جامعة لندن.

رافد جبوري