عندما ترفض أميركا تأشيرة حنان عشراوي

عندما ترفض أميركا تأشيرة حنان عشراوي

17 مايو 2019
+ الخط -
عندما جاء المذيع الأميركي الشهير تيد كويل إلى القدس عام 1989، كان يبحث عن الأصوات الجديدة التي تمثل الانتفاضة الفلسطينية. التقيت مع منتجي برنامج "نايتلاين" الذي يبث ليليا على محطة abc القومية. حاولت أن أقترح لهم أسماء في وسعها أن تطرح أماني الشعب الفلسطيني وتطلعاته، وكان تيد كوبل وفريقه يرغبون بلقاء من من يستطيع أن ينقل الحالة الفلسطينية إلى الشعب الأميركي.
راجعنا بعض الأسماء التقليدية، ثم اقترحت اسم أستاذة الأدب الإنكليزي في جامعة بيرزيت، حنان ميخائيل عشراوي، وهي خريجة الجامعة الأميركية في بيروت، وكانت معروفة لدى النشطاء لدورها في الدفاع عن حق التعليم للشعب الفلسطيني، خصوصا بعد الإغلاقات الإسرائيلية المتكرّرة للجامعات الفلسطينية، ومنها بيرزيت. وكانت عشراوي مقبولة لدى الجميع، بسبب دورها غير المعلن في ترتيب الدفاع القانوني عن الأسرى في سجون الاحتلال، ومتابعة أوضاعهم في السجون، من خلال محامين متضامنين مع الشعب الفلسطيني، مثل ليئي تسيمل. وكنت أعرف حنان من خلال زوجها إيميل عشراوي، وهو قريب لعائلتنا، ومصور محترف وفنان قدير، وكان قد تعرف إليها خلال السبعينات في مسرح بلالين الفلسطيني.
وافق فريق تيد كويل على اقتراحي، وكانت مشاركة حنان عشراوي قصة نجاح إعلامية، فمع أن سجلها النضالي كان معروفا للنشطاء، إلا أن مشاركتها في البرنامج الأميركي وفر له معجبين ومتابعين من كل العالم. وقد أدت قدرتها على نقل الصورة الحقيقية إلى العالم إلى تعيينها عضو اللجنة التوجيهية لمؤتمر مدريد للسلام، مع فيصل الحسيني وسري نسيبة، وتم تعيينها الناطق الرسمي باسم الوفد الفلسطيني الذي رأسه بجدارة حيدر عبد الشافي.
حاولت حنان عشراوي الاستمرار في عملها الأكاديمي، كما انشغلت بتأسيس مؤسسات مجتمع مدني، أو العمل فيها، مثل "مفتاح" و"الهيئة المستقلة لحقوق المواطن" وتجمع "أمان" المناهض للفساد، إلا أنها أجبرت على ترك التدريس الجامعي عندما انتخبها عام 2006 المجلس الوطني الفلسطيني لعضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، على الرغم من معارضة بعض القيادات.
حنان عشراوي من مؤيدّي النضال اللاعنفي، وقد استمرت في تمثيل فلسطين في المحافل العالمية. وجاء في تغريدة لها أخيرا أنها التقت مع كل وزراء الخارجية الأميركيين، منذ جورج شولتز (وغيرهم من الأوروبيين والآسيويين والأفارقة)، والتقت مع كل الرؤساء الأميركان، منذ جورج بوش الأب، باستثناء الرئيس الحالي ترامب.
لحنان وإميل عشراوي ابنتان وأحفاد وأقارب وأصدقاء يقيمون في الولايات المتحدة. وقد
 حصلت على الدكتوراة في الأدب المقارن من جامعة فرجينيا الأميركية. وسافرت إلى الولايات المتحدة مرات عديدة لزيارات عائلية، ولإلقاء محاضرات في كبرى الجامعات، قبل الاعتراف الأميركي بمنظمة التحرير وبعده، غير أن السلطات الأميركية رفضت الاثنين الماضي (13 مايو/ أيار) منحها تأشيرة زيارة. وكان من المفترض أن تلقي محاضرات في جامعات ومراكز أبحاث أميركية. ولا يمكن فصل قرار رفض التأشيرة عن السياسة الأميركية الخارجية، والتي تتركز على رفض أي مظهر للحركة الوطنية الفلسطينية. ومعلوم أن إدارة ترامب لم تتخذ فقط قرارها ضد الوجود الفلسطيني الرسمي في واشنطن، مثل إغلاق مكتب منظمة التحرير، بل تراجعت أيضا عن المواقف الدولية في ثوابت فلسطينية، مثل اللاجئين والقدس، وحتى تسمية الاحتلال.
ويوضح تحليل لمضمون ما يتداوله يومياً جيسون غرينبلات، رأس حربة فريق ترامب، في "تويتر" أنه فيما بين الـ 233 تغريدة، خلال شهري مارس/ آذار وإبريل/ نيسان الماضيين، قام المسؤول الأميركي بتغريد عباراتٍ داعمة لإسرائيل ومعادية للحقوق الفلسطينية الوطنية بنسبة 79%. ومن ذلك، أنه تهجم، في مارس/ آذار، على مدرسة في الضفة الغربية، لأنها شيدت حائط رسومات للقائد الفلسطيني الشهيد خليل الوزير.
تحاول إدارة ترامب الاشتباك الفكري مع الفلسطينيين، بعد أن قامت، بكل ما استطاعت من قوة، بتسخيف أي مظهر أو أيٍّ من الحقوق الوطنية الفلسطينية، وإلغائه. ولعل رفض تأشيرة زيارة حنان عشراوي، في الوقت الذي يغرّد غرينبلات أنه مرحب بها في البيت الأبيض، يعكس التناقض الأميركي. وكأن المذكور يقول إن عشراوي إذا أرادت زيارة ابنتها وحفيداتها أو إلقاء كلمة في جامعة أميركية عليها أولاً إنهاء المقاطعة الفلسطينية الرسمية للولايات المتحدة، وبعد ذلك تفتح أبواب واشنطن لها.
لأميركا، مثل أي دولة ذات سيادة، الحق في منع من تشاء دخول أراضيها. ولكن لا يمكن وصف التعسف ضد شخصية فلسطينية لها احترامها لدى شعبها بأقل من أنه ابتزاز سياسي مكشوف.