أمن إسرائيل هاجساً سعوديـاً

أمن إسرائيل هاجساً سعوديـاً

16 مايو 2019
+ الخط -
كان لافتا احتفاء وسائل إعلام إسرائيلية بمشاعر التضامن التي أبداها كتاب وصحافيون سعوديون مع إسرائيل في عدوانها أخيرا على قطاع غزة. هذا الاحتفاء الذي يصادف بالمناسبة الذكرى الحادية والسبعين لاغتصاب فلسطين، لا يعكس، فقط، إفلاس السياسة السعودية في المنطقة، والتي دخلت نفقا مسدودا منذ صعود محمد بن سلمان وانفراده بتدبير مساحات واسعة من هذه السياسة، بقدر ما يُسائل، كذلك، خلفيات الجهودِ التي تُبذل، في غير موقعٍ عربيٍّ، لإعادة صياغة البديهيات الأخلاقية والوجدانية التي حكمت أنماط الوعي والتفكير والتفاعل، حيال كل ما يستجدُّ بشأن القضية الفلسطينية إقليميا ودوليا.
حتى قبل سنوات قليلة، لم يكن أحد يتصور أن تتسع الجغرافيّة العربية لمثل هذه الجرأة غير المسبوقة (بل الصفاقة!) التي وثَّقتها تعليقاتٌ وتدويناتٌ، أبدى فيها أصحابُها تعاطفهم مع الكيان الصهيوني، ومساندتهم له في حربه ''العادلة'' على قطاع غزة، وانتقدوا إطلاق فصائل المقاومة صواريخ على المستوطنات، مُعتبرين ذلك إرهابا يستحق رد جيش الاحتلال، ويبرّر، بالتالي، ما يترتب عليه من تقتيل ودمار في غزة.
أن يصبح أمن إسرائيل واستقرارها في مقدمة أولويات دول عربية، فذلك يعني أن هناك مساعيَ حثيثةً لإعادة بناء خريطة المنطقة، وتبديل الأدوار، وتوزيع شبكة المصالح الكبرى، بما يُفضي إلى فتح دروب جديدة أمام السياسة الإسرائيلية، بعد تفكيك النفوذ الإيراني في المنطقة، وتصفية القضية الفلسطينية ضمن صفقة القرن. هذه المساعي يُعزّزها إحساس التحالف السعودي الإماراتي بعجزه عن حسم الحرب في اليمن، وإخفاقه في احتواء الموجة الثانية من الحراك الشعبي العربي في السودان والجزائر، واقتناع قطاعاتٍ واسعةٍ من الرأي العام العربي بما يحيكه المحور السعودي الإماراتي المصري من مؤامراتٍ ضد تطلع شعوب المنطقة نحو الديمقراطية والحرية والكرامة.
بهذا، يغدو أمنُ الكيان الصهيوني هاجسا استراتيجيا يقضّ مضجع دوائر القرار في أكثر من عاصمة عربية، في وقتٍ لا يتوقف هذا الكيان عن تنفيذ مخطّطاته بحق الشعب الفلسطيني، واستثمار مختلف الآفاق التي ما فتئ يفتحها أمامه هذا المحور، لأجل استخلاص عوائد كثيرة، على طريق الإجهاز النهائي على الحقوق الفلسطينية، وتحقيق مكاسب استراتيجية وسياسية جديدة.
بات عداء السعودية لإيران حالة سياسية مَرضية، بعد هذا التحول الذي أشار إليه التضامن السعودي مع إسرائيل في ''محنتها'' في مواجهة فصائل المقاومة في غزة. من غير المعقول أن يغدو ذلك محرّكا لسقوطٍ أخلاقيٍّ وسياسيٍّ كهذا، حيال قضيةٍ من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، التسليم بأنها لم تعد مركزيةً في الوجدان الشعبي العربي، على الرغم مما تتخبّط فيه معظم البلاد العربية بعد الارتجاجات التي خلّفها الربيع العربي.
من أبجديات السياسة الدولية أن ما لا يؤخذ بالقوة يؤخذ بالسياسة، والرياض أخفقت، أربعة عقود، في الحد من النفوذ الإيراني، وتطويق امتداداته المذهبية والسياسية في المنطقة، ما يعني افتقادَ سياستها الخارجية الخيط الناظم الذي يستوعب تناقضات المنطقة، ويعيد تركيبها وفق توازناتٍ يُتفاوضُ عليها مع طهران.
غيابُ هذا الأفق الدبلوماسي والسياسي عن هذه السياسة يفسّر، إلى حد كبير، تخبط التحالف السعودي الإماراتي في اليمن، وعجزه عن التأثير في سيرورة الأحداث سياسيا وعسكريا، وهرولته نحو وضع كل بيضِه في السلتين الأميركية والإسرائيلية. وهو وضع يُفترض أن يدفع هذا التحالف نحو البحث عن خيارات أخرى في التعاطي مع النفوذ الإيراني المتزايد، لا الاندفاع نحو أحضان إسرائيل، والدفع بأمنها واستقرارها إلى واجهة الأولويات العربية، وبالتالي، الضرب عرض الحائط حزمةً من البديهيات الكبرى.
توجيهُ إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ضربة عسكرية لإيران، وتفكيك نفوذها السياسي والمذهبي، يبدوان مستبعدَين، على الأقل في الوقت الراهن، بسبب كلفتهما السياسية والأمنية والاستراتيجية الباهظة، فضلا عن حالة الفوضى التي سيُحدثانها في المنطقة، والتي لن يكون في مقدور أحد تطويقها. وإذا كانت السعودية تعتقد أن ضرب إيران وحلفائها في المنطقة سيجعل الإقليمَ أمامها مفروشا بالورد، فهي واهمة، ولا تدرك جيدا العقيدة السياسية لليمينيْن، الصهيوني والأميركي، والتي تربط بين أمن الكيان الصهيوني واستمراره من ناحية، وإضعاف العرب ونسف مقدراتهم من ناحية أخرى.