تأصيل مفهوم إسرائيل لـ"حلّ الدولتين"

تأصيل مفهوم إسرائيل لـ"حلّ الدولتين"

15 مايو 2019
+ الخط -
ليس مبالغة القول إن فرائص إسرائيل لا ترتعد لدى أي تلويحٍ بـ"حلّ الدولتين" لصراعها الطويل مع الفلسطينيين، كون موقفها منه كما مفهومها حياله كفيلين بإفراغه من أي مضمون حقيقي، وبالأساس فيما يتعلق بموضوع قيام دولة فلسطينية. وبالاستناد إلى الموقف الإسرائيلي، منذ انطلاق ما تعرف بـ"عملية التسوية" ذات الصلة بمفاوضات أوسلو، يمكن القول إن تداول مفهوم "حلّ الدولتين" يتم على قاعدة تأصيل مفهوم إجماعيّ ينطوي على ما يلي: 
أولاً، أن يكون قيام الدولة الفلسطينية نتيجة لمفاوضات مباشرة بين قيادة فلسطينية موحدة وبين إسرائيل، وأن تُحلّ القضايا والموضوعات المركزية، ومن ضمن ذلك مسائل الحدود والقدس واللاجئين، عن طريق المفاوضات فقط، لا عن طريق قرارات صادرة عن هيئات الأمم المتحدة أو أي جهات أخرى.
ثانياً، أن تكون الحدود بين إسرائيل والدولة الفلسطينية العتيدة أيضاً نتيجة مفاوضات مباشرة بين الجانبين، وألا تكون هذه الحدود قائمةً على أساس خطوط الهدنة من عام 1949.
ثالثاً، ضرورة وجود قيادة فلسطينية موحدة تمثل عموم الشعب الفلسطيني، وأن تكون هذه القيادة قادرةً على تقديم التعهدات وتنفيذها، وهو وضع غير متوفر حالياً إثر الانقسام.
رابعاً، يجب أن تعترف الدولة الفلسطينية بإسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي، وأن تعترف إسرائيل، في الوقت ذاته، بالدولة الفلسطينية دولة قومية للشعب الفلسطيني (بغية طيّ موضوع الحقوق القوميّة للفلسطينيين في مناطق 1948).
خامساً، ينبغي أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، ومُقيّدة في قدراتها العسكرية والأمنية، وكذلك فيما يتعلق برموز السيادة الأُخرى.
وبخصوص "الدولة الفلسطينية"، نُعيد التذكير بأن رؤية رئيس الحكومة الإسرائيلية، يتسحاق رابين، الذي وقّع اتفاق أوسلو، فيما يخصّ مسائل التسوية الدائمة، تضمنت، وفق ما ذكر في خطاب له أمام الكنيست الإسرائيلي في أكتوبر/ تشرين الأول 1995، إقامة "كيان فلسطيني يشكل وطناً لمعظم السكان الفلسطينيين الذين يعيشون في قطاع غزة والضفة الغربية"، موضحاً أن هذا الكيان سيكون "أقل من دولة، وسوف يتولى إدارة حياة الفلسطينيين تحت مسؤوليته". أما رئيس الحكومة الحالي، بنيامين نتنياهو، فقد أعلن، في الخطاب الذي ألقاه في جامعة بار إيلان عام 2009، تمسّكه بفكرة حل "دولتين تعيشان جنباً إلى جنب، في إطار علاقات صداقة واحترام متبادلة، وأن يكون لكل دولة منهما علم ونشيد وحكومة خاصة، من دون أن توجه أو تشكل إحداهما تهديدا لأمن أو بقاء الدولة الأخرى".
وأوضح نتنياهو أن رؤيته تتضمن الأسس والمبادئ: اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية (والسلطة الفلسطينية) بإسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي؛ أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، ومن ضمن ذلك حظر استيراد الصواريخ والقذائف الصاروخية؛ عدم الاحتفاظ بجيش أو عقد تحالفات مع عناصر وجهات "إرهابية"، بالإضافة إلى اتخاذ خطوات حقيقية لمنع تهريب الأسلحة إلى داخل مناطق هذه الدولة؛ حل مشكلة (قضية) اللاجئين الفلسطينيين خارج حدود إسرائيل؛ فرض قيود على استخدام (الدولة الفلسطينية) للمجال الجوي.
ويحظى المفهوم الإسرائيلي لـ"حل الدولتين" بإسناد أميركي، حتى قبل ظهور ترامب وإدارته بأعوام طويلة. مثلاً، تطرقت خطة مبادئ الرئيس بيل كلينتون (عام 2000) إلى فكرة هذا الحل، وسط استخدام مفهوم "دولة فلسطينية منزوعة السلاح"، ذات سيادة محدودة، تكون "وطناً للشعب الفلسطيني"، إلى جانب ذِكر إسرائيل "وطنا للشعب اليهودي". وعرض الرئيس جورج بوش الابن (عام 2002) رؤيته القائمة على "دولتين تعيشان بجوار بعضهما في سلام وأمن"، مؤكداً، في الوقت عينه، ضرورة قيام الدولة الفلسطينية بـ"محاربة الإرهاب وبلورة زعامة فلسطينية جديدة مختلفة". وفي الرسالة التي وجهها في إبريل/ نيسان 2004 إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية أرييل شارون (رسالة الضمانات)، عاد بوش، وأكد رؤيته بشأن "حل الدولتين"، وأن المفاوضات بين الجانبين، الإسرائيلي والفلسطيني، يجب أن تؤدي، من ضمن أمور أخرى، إلى تفاهم حول مسألة "الحدود الآمنة والمعترف بها"، إنما من دون العودة إلى خطوط الهدنة من عام 1949.