الأردنيون.. والحكومات والمخابرات

الأردنيون.. والحكومات والمخابرات

15 مايو 2019
+ الخط -
هموم الحياة التي صارت أصعب، ومعها الضيق المعيشي والاقتصادي، لا يتركان لغالبية الأردنيين حيّزا فيهم للانشغال بوزراء خرجوا من الحكومة وآخرين دخلوها، وبمن أُعطوا وظائف رفيعةً في الديوان الملكي ومن أقيلوا. أسماء هؤلاء وأولئك مغريةٌ، فحسب، للحديث عنها، نقدا وانتقادا لبعضهم، وتحبيذا واستحسانا لآخرين، في جلسات الصحافيين والنخب وسياسيين راهنين وسابقين. وهذه واقعة التعديل الوزاري الثالث في الحكومة التي بالكاد أتمّت عاما، وأعلن عنه قبل أيام، رُميت بامتعاضٍ ظاهرٍ من غالبية هؤلاء، من دون كثير اكتراثٍ بها من الأردنيين الذين دلّت ستة استطلاعات للمؤشّر العربي (يُنجزه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات) على نقصانٍ كبيرٍ في ثقتهم بحكومات بلادهم، ومن ذلك أن 41% لا يثقون بها مطلقا، يُضاف إليهم 15% عدم ثقتهم أقل، وذلك في استطلاع 2017 – 2018. ولا حاجة لتأكيد المؤكّد، أن السمعة الطيبة التي يُحرزها رئيس الحكومة الحالية، عمر الرزاز، وأشاعت تفاؤلا بقدومه إلى منصبه هذا، لم تُسعفه كثيرا أمام خساراتٍ ظلت، في الشهور الماضية، تخصم من شعبيته وصورته الحسنة، فمحدودية منجز الحكومة، وعاديّة أدائها، وعجزها عن اجتراح حلولٍ ملحّةٍ لمشكلات الفقر والغلاء والبطالة، بعض عوامل أحدثت ما سمّاها رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي الأردني، مصطفى الحمارنة، "خيبة أمل" في صديقه الرزاز، الشخص "الفهيم"، و"غير القائد"، بحسبه.
ورث الرزاز نحو ثلثي الوزراء في الحكومة التي شكلها قبل عام من الحكومة التي طالبت حراكاتٌ محتجةٌ عليها بإقالتها. وفي التعديلات التي أجراها تاليا لم يكن مُقنعا لمجتمع النخبة الأردنية، وأوساط العمل العام، سيما في التعديل الثالث، قبل أيام، مثلا في خروج وزير الصحة غازي الزبن وعودة سلامة حمّاد وزيرا للداخلية. ولا يبدو أن الرأي العام قبض بجديةٍ الكلام الكبير لتسويق هذا التغيير، وغيره في الديوان الملكي وفي مؤسساتٍ أمنيةٍ ومدنيةٍ في الدولة، فقد ظلّ هذا كله في حلقة أهل النادي نفسه ممن يتناوبون على المناصب العليا، وإن اخترقتْها وجوهٌ جديدةٌ قليلة، وشابة أحيانا، تُطنب تعليقات صحافيين قريبين من الكواليس في وصفها طاقاتٍ مهنية. ويزيد من نقصان الاكتراث العام بهذا كله أن الرزاز لا يبدو مهجوسا بإصلاحٍ سياسي واسع تحتاجه البلاد، وإن يُفرط في إشاعة لغةٍ وفاقيةٍ ومنفتحة، تشتمل على شعاراتٍ مستلّةٍ من مشاريع ثقافيةٍ، قليلة الصلة بتفاصيل الواقع المعاش، والذي يعرف الرزاز، محقّا، أن أولى الأولويات فيه هي مواجهة التحدّي الاقتصادي، وخفض المديونية، وإطلاق مشروعات تشغيل وتوظيف، سيما مع شحّ المساعدات الخارجية، وتباخل الأشقاء في بعض الخليج، وأثمانٍ سياسيةٍ يطلبها الحليف الأميركي الفظ.
وسط هذا كله، ومع انصرافِه إلى مسائِله الضاغطة معيشيا واقتصاديا، وجد المجتمع المحلي نفسَه يشارك النخب وفاعلين سياسيين، وأوساطا ثقافيةً وإعلاميةً وحزبيةً واسعةً، ينتبه مع هؤلاء إلى مضامين رسالة الملك عبد الله الثاني إلى مدير المخابرات العامة الذي جرى تعيينه، أخيرا، اللواء أحمد حسني. ولا تزيّد في وصفها رسالةً استثنائيةً جدا، فليس معهودا أن يتحدّث رأس الدولة، في خطابٍ معلن، عن تجاوزاتٍ في هذا الجهاز المطبوع بالكتمان، والمُصان من الانكشاف للقيل والقال. وفيما أشار إلى مسيرةٍ مشرقةٍ ومشرّفةٍ لهذه المؤسسة، شديدة الحساسية في المنظومة الأمنية العامة، جاء الملك على "قلةٍ قليلةٍ.. حادت عن طريق الخدمة المخلصة للوطن، وقدّمت المصالح الخاصة على الصالح العام، الأمر الذي تطلب حينها التعامل الفوري معه وتصويبه". بل وألمح إلى من سوّلت لهم أنفسهم "محاولة العبث بالمرتكزات التي ينص عليها الدستور الأردني". وتبعث الرسالة زوبعةً من أسئلةٍ عن مقاصد الملك، وهو "يفضفض"، إلى حد ما، في شؤونٍ كهذه، ويُخبر مواطنيه عن شوائبَ في المخابرات العامة، المؤسّسة التي كشف "المؤشّر العربي" في استطلاع 2017 – 2018 أن 72% من الأردنيين يمحضونها ثقةً كبيرة، و21% ثقة أقل، بل إن المخابرات الأردنية هي الأولى من بين أجهزةٍ مثيلةٍ في ثماني دول عربية التي تُحرز النسبة الأعلى عربيا من الثقة، بل يُؤْثر المواطنون الأردنيون أيضا المخابرات على الحكومة والأحزاب والبرلمان.. تُرى، هل سيخدش ما جهر به الملك هذا المزاج؟ هل تصنع حكومة الرزاز جديدا ومبتكرا يُسعفها؟
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.