الخليج وحربه الرابعة

الخليج وحربه الرابعة

14 مايو 2019
+ الخط -
وأنت تتابع ما يجري من تهديدات وتحشيدات عسكرية لم يسبق لها مثيل منذ غزو العراق عام 2003، تعتقد أن الحرب ربما لن تنتظر حتى اليوم التالي، فقد تم تجهيز المسرح على أكمل وجه، وباتت ساعة الصفر الحد الفاصل بين ما قبل الحرب وما بعدها، فالولايات المتحدة أرسلت حاملة الطائرات وقاصفاتها العملاقة، وحتى صواريخ الباتريوت. وفي المقابل، على الرغم من وضعها الاقتصادي المنهك بسبب العقوبات، تصرّ إيران على أنها ستدفع القوات الأميركية إلى تكبّد خسائر لم يسبق لها مثيل، بل إن أحد كبار القادة العسكريين في إيران ظهر على تلفزيون إيراني، يشرح كيف أن القوات الأميركية ستكون لقمة سائغة لإيران التي تحاصرها، سواء في العراق أو سورية أو أفغانستان أو حتى في الخليج، فهل بات الخليج على موعد مع حربه الرابعة؟
نظرياً ووفقاً لما تقدّم، نعم، فالولايات المتحدة، هذه المرة، مصمّمة على استعادة ما فقدته في المنطقة، بعد سنوات التراجع التي أعقبت انسحاب القوات الأميركية من العراق نهاية 2010 وبداية 2011، وما تبع ذلك من فراغٍ نجحت إيران في سدّه، ولا يبدو أن الولايات المتحدة ستقبل بأقل من تنفيذ المطالب الاثنى عشر التي حدّدها وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، قبل أشهر، فعملية تسيير كل هذه القطعات العسكرية إلى مياه الخليج لن تكون بلا ثمنٍ تريد الولايات المتحدة أن تقبضه.
وفي المقابل، تدرك الولايات المتحدة أيضا أن مواجهة عسكرية مع إيران لن تكون سهلة. نعم لديها قدرات عسكرية فائقة التطور، ولا يمكن مقارنتها بما لدى إيران التي ما زالت قواتها تستخدم سلاحاً يعود إلى السبعينيات والثمانينيات، ولعل سلاحها الأكثر تطوراً هو الصواريخ البالستية التي يمكنها أن تصل إلى قواعد أميركا في الخليج، ولكن حتماً ستكون أنظمة الدفاع الجوي الأميركية حاضرة.
إيران أيضا غير راغبة في المواجهة، ولديها ألف سبب وسبب لتؤجل تلك المعركة، أو تتفاوض من أجل أن لا تقع، فناهيك عن وضعها الاقتصادي السيئ، فإنها تدرك أيضا حجم قواتها وقدراتها العسكرية، وهو ما يدفعها، بين حين وآخر، إلى تهديد القوات الأميركية بأذرعها المنتشرة في المنطقة، أو ما بات يعرف بالوكلاء، وهم موجودون في العراق وسورية ولبنان 
وحتى اليمن، هذه الأذرع هي التي تذرعت بها الولايات المتحدة لتعزيز وجودها في الخليج العربي، بعد أن أعلن مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، أن معلومات استخباراتية أفادت بأن لدى إيران النية لتحريك وكلائها في المنطقة لضرب القوات الأميركية. ولنتذكّر أن بولتون كان من بين صقور الحرب على العراق قبل عام 2003، وهو من أكثر المتحمسين لتغيير النظام في إيران بالقوة العسكرية، ولعل هذا أحد الأسباب التي دفعت الرئيس دونالد ترامب إلى تعيينه في هذا المنصب، عقب الانسحاب من صفقة النووي مع إيران.
لن تكون الحرب نزهة، لا لأميركا صاحبة السلاح والقدرات الفائقة، ولا لإيران التي تملك أوراقا كثيرة تلاعب بها الولايات المتحدة، بل لا تبدو تلك الحرب مطلوبة، حتى من أطراف خليجية، السعودية والإمارات تحديداً، دفعت مالاً كثيراً من أجل رؤية حاملة الطائرات، أبراهام لنكولن، تجوب مياه الخليج العربي لتهديد إيران، فقد ذكرت تقارير إخبارية أن الرياض وأبوظبي عبّرتا عن خشيتهما من مواجهة عسكرية في مياه الخليج، يمكن لها الإضرار باقتصاد بلدان الخليج العربي. وإذا ما كانت الحرب صعبة، فعلام كل هذه القوات التي حشدتها واشنطن؟ ومعلوم أن حركة مثل هذه تعني أموالاً طائلة قد صُرفت وستُصرف على كل هذه الحركات العسكرية والقطعات والجنود.
الأمر أكثر من ضغط وأقل من حرب، فالولايات المتحدة تريد من إيران أن تعود إلى طاولة للتفاوض حول ثلاثة أمور رئيسية: الملف النووي، فترامب يرغب في اتفاق آخر، لا يؤجل حصول إيران على السلاح النووي، وإنما ينهي هذا الحلم. الصواريخ البالستية، ومعلوم أن إيران طورتها، وباتت صواريخ بعيدة المدى، قادرة على حمل رؤوس نووية. التغلغل والنفوذ الإيراني الذي بات يقلق حليفة أميركا الأهم في المنطقة، إسرائيل. ولعلنا نضيف ملفاً رابعاً يتعلق بصفقة القرن، ومعلوم أن لإيران شروطها مقابل تمرير هذه الصفقة، فلديها وكلاء يمكن أن يشاغبوا وأن يسببوا قلقا كثيرا، وتعلم طهران أن لديها أوراقا قادرة على ذلك، وبالتالي فإنها تطلب، كما يُطلب منها، وتضع شروطاً كما يُشترط عليها.
لإيران خبرة طويلة في سياسة الانحناء للعواصف. ومن هنا، من المتوقع أن تنحني إيران للعاصفة القادمة عبر المحيطات، بانتظار تغيير ما قد يحدث هناك في واشنطن، بعد أكثر من عام، تغيير قد يُخرج ترامب من البيت الأبيض بانتظار ساكنه الجديد، أو أن قرقعة السلاح التي تُسمع جلية في الخليج تشير، من طرف خفي، إلى قنوات اتصال، ربما تكون قد فُتحت بالفعل بين طهران وواشنطن، تفاوض سيأخذ فيه كل طرف بعض ما يريد، وحتماً ما ستأخذه واشنطن أكبر مما ستمنحه لإيران.
96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...