أميركا ـ إيران.. الحرب؟

أميركا ـ إيران.. الحرب؟

11 مايو 2019
+ الخط -
قد يكون التحشيد العسكري الأميركي في الشرق الأوسط والخليج العربي، في هذه الأيام، هو الأكبر منذ اجتياح العراق عام 2003، لكنه، وحتى اللحظة، لا يُمكن اعتباره معياراً حتمياً لضربةٍ عسكريةٍ أو هجومٍ وشيكٍ على إيران. صحيح أن الزخم العسكري أكبر من مجرد "استعراض عضلاتٍ" أميركية في الشرق الأوسط، إلا أن نهايته قد لا تكون كما يتوقع كثر. في المنطق، لا يُمكن للولايات المتحدة نقل طائرات وبوارج وحاملات طائرات من أماكن بعيدة، مع ما تكلّفه من أموالٍ ومصادر طاقة، فقط لمجرد إجراء مناورةٍ ما، أو ضغط ما. ولكن في المنطق نفسه أيضاً، هناك دونالد ترامب في البيت الأبيض، الرجل الذي لا يحبّ التورّط في حروبٍ متنقلةٍ واستنزافية. حتى الآن، أثبت بفعل ممارسته مبدأ "القوة في إظهار القوة" نفوذه في فتح كوّةٍ مع كوريا الشمالية، والانسحاب من سلسلة معاهداتٍ دوليةٍ متعلقةٍ بالتجارة والمناخ والأسلحة. كما أنه، وبقصفه مواقع في سورية، في عامي 2017 و2018، أظهر ترامب أنه أكثر قسوةً من سلفه باراك أوباما. تاريخ ترامب الرئاسي دليلٌ على أن الرجل لا يفكر سوى بالمال، وبكسب مزيدٍ منه. تغريداته على "تويتر" تؤكد ذلك. 
عملياً، يُمكن القول إن ترامب لن يُقدم على شنّ حربٍ على إيران، غير أنه يمكن، في الوقت عينه، الحديث عن مفهوم "المبدأ الإيراني" في الإدارة الأميركية. وهو مبدأ ارتكز على تسريع عملية الضغط على طهران، باسم "منعها من تصنيع قنبلةٍ نووية"، على الرغم من أن أوباما، وقبل أربع سنوات، وقّع اتفاقاً عُدّ ناجحاً للغرب قبل الإيرانيين. في "المبدأ الإيراني" يبدو الاختلاف كبيراً مع كوريا الشمالية، ففي شبه الجزيرة الكورية ضغط ترامب بسلاسة، بالتوازي مع إجراء محادثاتٍ سريّةٍ، أفضت إلى الإفراج عن معتقلين أميركيين في سجون بيونغ يانغ. حتى أنه لم يستعجل الردّ على التجارب الكورية الشمالية، يومي السبت والخميس الماضيين، بل ترك الباب مفتوحاً أمام قمة جديدة مع الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ ـ أون، تتمحور حول تخلّص بيونغ يانغ من الأسلحة النووية، قبل البحث في توقيع اتفاقياتٍ اقتصادية.
يبدو الاستعجال الذي يمارسه ترامب في الملف الإيراني مربكاً في بعض جوانبه بالنسبة إليه، فهو غير قادر على التملّص من الضغط على إيران، كما أنه، في بعض الأحيان، يظهر وكأن الضغط يسيطر عليه، لا العكس. يكفي متابعته مساء الخميس، حين ردّ على سؤال بشأن إمكانية اندلاع مواجهة عسكرية بين واشنطن وطهران، بالقول "لا أريد أن أقول كلا، لكنني آمل ألا يحصل ذلك"، في إشارة إلى إمكانية اندلاع حرب. كما اعتبر أن "الإيرانيين أظهروا أنهم مصدر تهديد كبير، ولدينا معلوماتٌ قد لا تتصورونها"، من دون أن يوضح ماهيتها. قبل أن يجدّد استعداده للتواصل مع الإيرانيين، قائلاً إننا "مستعدون للحوار". في الواقع، قد يكون ما يمرّ به ترامب حالياً أقسى من مسألة تقرير روبرت مولر. ألم يقل أن وزير الخارجية الأسبق جون كيري "يتحدث مع الإيرانيين لمنعهم من التحدث معه (أي ترامب)"؟.
في المقابل، لا يعني هذا أن الإيرانيين يشعرون بالارتياح. الاقتصاد في حالة يُرثى لها. الفيضانات في الأسابيع أغرقت مناطق واسعة في 25 محافظة من أصل 31. الوضع المعيشي صعب في البلاد. العقوبات أكثر قسوةً عما قبل. يدركون أن ترامب وضعهم في مكانٍ لا يُحسدون عليه. لا يريدون التصرّف كأنهم مهزومون، لكنهم غير قادرين على الانتصار. إيران في موقعٍ مشابه لموقع ترامب: الضغط يسيطر عليهم لا العكس. في مكان ما سيتمّ تنفيس الاحتقان الأميركي ـ الإيراني. ستُرسم حدود اقتصادية ـ سياسية جديدة. سيتغير الشرق الأوسط، ليس بالضرورة بالدماء، بل قد يكون بالسياسة، إنها بدايات مرحلةٍ، فيها رابح وخاسر.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".