أبعد من محسن أَخْريف

أبعد من محسن أَخْريف

02 مايو 2019
+ الخط -
لا يزال الرأي العام الثقافي في المغرب تحت صدمة رحيل الشاعر والروائي ورئيس رابطة أدباء الشمال، محسن أخريف (1979- 2019)، الذي قضى بداية الأسبوع الماضي، إثر تعرضه لصعقة كهربائية قوية، صدرت عن مكبر الصوت الذي تناوله بيده لأجل التدخل في ندوة على هامش فعاليات "عيد الكتاب'' في تطوان، في تقليد يعود إلى بداية الأربعينات من القرن الماضي، حين كانت المدينة تحت الحماية الإسبانية.
خلّف الحادث غضبا واستياء عارمين في الوسط الثقافي، وكشف حجمَ الارتجال الذي يُدار به الشأن الثقافي في المغرب، وعدم توفر الحد الأدنى من شروط الصحة والسلامة في تنظيم الأنشطة والفعاليات الثقافية، وخصوصا التي تُنظم بعيدا عن محور مدينتي الرباط والدار البيضاء، والتي غالبا ما يتسم تنظيمها بالعشوائية وغياب الاحترافية، ما يعني الافتقار إلى سياسة ثقافية جهوية تضفي بعض المصداقية على خطاب السلطة والنخب، بشأن الجهوية ومخرجاتها المختلفة. وتُشكل المعارض الجهوية للكِتاب نموذجا صارخا في التدبير العشوائي للشأن الثقافي في الجهات، على المستويين، اللوجستي والتنظيمي، أو على مستوى غياب رؤية محكمة وواضحة لموقع الشأن الثقافي داخل سيرورة ما يقال عنها إنها جهويةٌ ''موسعة'' أو ''متقدّمة''. ولسنا في حاجة للتذكير بالتطور الكبير الذي تعرفه السياسات الثقافية في العالم، سيما فيما يرتبط بطرائق تدبير الحقل الثقافي وتحديثه، بما يجعله على تماسٍّ مباشرٍ بما تعرفه المجتمعات المعاصرة من تحولات.
وفي الوقت الذي يُفترض أن تكون هذه المعارض من المخرجات الثقافية لسياسة الجهوية، تحولت إلى أحد عناوين إخفاق السلطة والنخب المحلية في التعاطي، باحترام كافٍ، مع الشأن الثقافي الجهوي، وإيلائه المكانة التي يستحقها ضمن حزمة ''الاستراتيجيات والمخططات والبرامج الكبرى'' التي تتصدّر الخطاب الرسمي بمختلف مستوياته.
تنظّم معظم هذه المعارض، لأن تنظيمها استكمال شكليٌّ لسياسةٍ جهويةٍ وترابيةٍ لا تزال تنتظر موجبات تفعيل مبادئها ومرتكزاتها الكبرى. ولذلك لا يفاجأ كثيرون حين يقفون على أنشطة ثقافية لا يحضرها غير المشاركين فيها من كتاب وأدباء وباحثين، فيما يحيل على انفصالٍ دراماتيكي، يكاد يكون تاما بين الخطاب والواقع، فما جدوى العمل الثقافي إذا لم يلتحم بالانشغالات المجالية لكل جهة، ويسهم، بالتالي، في توسيع هوامش التنمية، باعتبارها سؤالا جهويا؟ وكيف يمكن أن نتحدّث عن سياسةٍ للكِتاب، في حين تشير البيانات والتقارير المختلفة إلى فشل ذريع في القضاء على الأمية وتطويق امتداداته، وإيقاف النزيف المتواصل داخل منظومة التربية والتكوين المغربية.
في البلدان المحترمة التي تَعتبر الشأن الثقافي مدخلا أساسيا للنهوض الاجتماعي والاقتصادي والحضاري، تندرج معارض الكِتاب ضمن سياسةٍ تربويةٍ وثقافيةٍ فاعلةٍ، تعي جيدا دور هذا الشأن في إحداث الفرق في معادلة التنمية والإقلاع. ولهذا يحرص الفاعلون المعنيون بها على جعلها لحظة عمومية متوهجة لإبراز فعل القراءة، وجعله جسرا يصل بين التربية والثقافة باعتبارهما دعامتين مركزيتين لنهوض المجتمعات وتطورها.
كشفت واقعة محسن أخريف ثقوبا كثيرة في تعاطي الدولة مع الشأن الثقافي، فالراحل الذي كان أحد المشرفين على تنظيم ''عيد الكتاب'' في مدينة تطوان لقي حتفه بينما كان يسدي خدمة جليلة للدولة بنضاله على الواجهة الثقافية، بما لها من أهمية قصوى في تفعيل ''المشروع التنموي الجديد''، أفلا يُعتبر، إذن، خَديماً لهذه الدولة إسوةً بـ ''خُدّامها'' إياهم؟ ألا تستحق أسرته الاستفادة من معاشه كاملا بعد رحيله المأساوي؟ وماذا بشأن اتحاد كتاب المغرب، المنظمة الأهلية التي يُفترض أنها تدافع عن حقوق أعضائها، أليس حرّيا بها أن تكون حاضرة في تدبير التداعيات القانونية لهذه الفاجعة؟ ألم يكن الراحل أحد أعضاء الاتحاد النشطين في تطوان ومنطقة الشمال عموما؟
مفجعٌ أن يرحل كاتبٌ واعدٌ بهذه الطريقة العبثية والمجانية، والتي، إن دلت على شيء، فإنما تدل على منسوبٍ عال من الاستخفاف واللامبالاة في التعاطي مع الشأن الثقافي الذي ما زالت السلطة والنخب تراه عبئا سياسيا وماديا، على الرغم من كل ما يقال بشأنه في وسائل الإعلام الرسمي.