6 إبريل..كيف مرّ 11عاماً بهذه السرعة؟

6 إبريل.. كيف مرّ 11 عاماً بهذه السرعة؟

10 ابريل 2019
+ الخط -
مرّ أحد عشر عاما في مصر بسرعة البرق منذ ذلك التاريخ المهم، تاريخ أحد أهم الأحداث الذي أصبح محطة مهمة في طريق الوصول إلى ثورة 25 يناير. إنه تاريخ الثورة المصغرة وكسْر حاجز الخوف، الشرارة الأولى للخروج الجماهيري العفوي ضد الاستبداد والفساد والديكتاتورية، إنها ذكرى الإضراب العام في السادس من إبريل/ نيسان عام 2008.
مرّ أحد عشر عاما بسرعة البرق على تأسيس أول وأكبر حركة شبابية في مصر، تلك المجموعة التي وضعت نفسها أمام مرمى النيران والبطش والتنكيل منذ اليوم الأول لنشأتها، إنها حركة شباب السادس من إبريل التي كان لها الدور الرئيسي في ضم قطاعاتٍ شبابيةٍ جديدةٍ لمعركة التغيير وتحفيز الشباب على الإيجابية، وتشجيع قطاعاتٍ جديدةٍ على رفض الظلم والفساد والاستبداد طوال السنوات السابقة لثورة 25 يناير، وهي كذلك الحركة التي كان لها الدور الرئيسي في إطلاق شرارة الخروج وتحديد أماكن الانطلاق العديدة للمسيرات السلمية في 25 يناير/ كانون الثاني عام 2011.
كانت البداية عام 2008 مع دعوة عمال مصنع الغزل والنسيج في مدينة المحلة الكبرى في شمال الدلتا بمصر، إلى الإضراب داخل المصنع، للمطالبة بزيادة الأجور والبدلات، فتلقف بعض الشباب (أتشرف بأنني كنت أحدهم) الفكرة بعد النجاحات المتكرّرة التي أحرزها عمال المحلة في نضالهم الممتد عشرات السنين. قلنا لنجرّب، فلتكن دعوة إلى الإضراب العام في كل مصر، وليس في مصنع الغزل والنسيج فقط، فالكل يعاني من الفساد والاستبداد وغلاء الأسعار.
كان هناك موقع اجتماعي لطيف وجديد وقتها يطلق عليه اسم فيسبوك، بدأ ينتشر في الأوساط الشبابية المصرية منذ أشهر قبل ذلك التاريخ، يمكن فيه نشر صورك الشخصية والحصول على أصدقاء جدد، والبحث عن الأصدقاء القدامى، وكذلك يمكن الانضمام لمجموعات فيها أشخاص لديهم الاهتمام نفسه. وفي هذا الموقع، يتم نشر القصص والصور وأحدث أخبار الفن والرياضة والموضة بمنتهى السرعة. ولكن لم يكن هناك أحد يستخدمه في السياسة أو الدعاية السياسية أو الحشد السياسي، فدعونا نجرّب هذا الموقع اللطيف الذي عليه هذا العدد الضخم من الشباب المصري، دعونا نستكشف قدرات هذا "الفيسبوك" في التحريض السياسي. هل يمكن أن يكون بديلا من الاجتماعات التنسيقية، وعن توزيع المنشورات في الشارع، وكل تلك الوسائل المحفوفة بالمخاطر؟
هنا كانت المفاجأة، فبعد أيام قليلة من إنشاء مجموعة على "فيسبوك" للدعوة إلى الإضراب 
العام يوم 6 إبريل، تضاعف عدد الأعضاء الناشطين إلى أكثر من 75 ألف عضو، عشرات الآلاف من الشباب غير المنتمي لأحزاب سياسية، والذي كان يبحث عن متنفسٍ له بعد إغلاق الحياة السياسية والمجال العام سنوات طويلة. لم يكن جوهر الاعتراض سياسيا. ولكن لأسباب اجتماعية بالأساس، فالكل يعاني من غلاء الأسعار والفساد والاستبداد والزحام والعشوائية، أكثر من 75 ألف شاب في الواقع الافتراضي، ولكن لديهم عائلات وأصدقاء ومعارف في الحياة الحقيقية، وهكذا أصبح يوم السادس من إبريل عام 2008 حدثا كبيرا في مصر، فيه تم كسر حاجز الخوف، وأزالت الجماهير الغاضبة صور حسني مبارك من الميادين، تجمع الآلاف بدون خوف من قنابل الغاز والهراوات والرصاص المطاطي والخرطوش.
تكونت حركة 6 إبريل من معظم الشباب الذي شارك في الدعوة إلى الإضراب العام ذلك اليوم، وانضم إليهم مئات ثم آلاف من الشباب الطامح في الحرية والديمقراطية والكرامة، ولم تكتف الحركة بتنظيم صفوفها وجذب العضوية من على الإنترنت والعالم الافتراضي فقط، بل انتشرت كذلك في الأوساط الشبابية والطلابية على أرض الواقع. وكلما زاد الانتشار زاد القمع من السلطة، وتوالت الأحداث والإنجازات والإخفاقات والملاحقات والقمع والسجن والتعذيب. وكلما زاد القمع من الأجهزة الأمنية حدث ما يشبه الفلترة والتنقية في الصفوف، فيخرج بعضهم ممن يخشون التبعات، لينضم من هم أشد عزيمة وإصرارا. إلى أن كانت حادثة مقتل الشاب خالد سعيد، على يد الشرطة المصرية في الإسكندرية عام 2010، وهو الحادث الذي تحول إلى محطة كبيرة في طريق الثورة، مثل يوم الإضراب عام 2008 وإنشاء الحركة. ثم كانت هناك محطة أخرى مهمة عندما عاد محمد البرادعي إلى مصر، وما صاحب ذلك من حراك كبير للمشهد السياسي، فقد التفّت حوله مجموعات شبابية عديدة تراكم مجهودها حتى كانت ثورة 25 يناير 2011.
وبعد الثورة، دخلت الحركة منعطفات عديدة حادّة. وبقدر ما كان المجال العام مفتوحا نسبيا بعد تنحّي الرئيس مبارك عن الحكم، كانت الاختيارات صعبة. وبقدر ما كانت الأوضاع سريعة التقلب، تولى المجلس العسكري السلطة بعد مبارك، وهو المجلس الذي عينه مبارك من قبل. ثم تفرق شركاء الميدان قبل الانتخابات البرلمانية. وبدلا من أن تكون الثورة ضد النظام السابق أصبحت الثورة تتنافس وتتصارع مبكرا في الانتخابات والإعلام، وفضّلت حركة 6 إبريل أن تلعب دور جماعة الضغط من أجل تحقيق أهداف الثورة خارج الإطار السياسي الرسمي، فلم تكن جزءا من العملية الانتخابية والصراع المبكر على السلطة التشريعية في أواخر عام 2011. وبسبب هذا الدور، وبسبب انتقادها الأوضاع والمسار بعد تنحي مبارك، فتحت عليها نيران المجلس العسكري، والتيار الإسلامي المتحالف معه أيضا، وأصبحت تحت هجوم وتخوين الجميع.
على الرغم من ذلك، كان للحركة خيار مفاجئ للجميع عام 2012، عندما دعت أنصارها 
والمتعاطفين معها إلى انتخاب مرشح جماعة الإخوان المسلمين للرئاسة، محمد مرسي، في مواجهة مرشح النظام القديم في الانتخابات الرئاسية أحمد شفيق، وأطلق بعضهم مصطلحا مصريا ساخرا وهو "عصْر الليمون" للدلالة على أن تأييد مرشح الجماعة كان على مضض، بعد كل الانتهازية التي ظهرت في أدائها بعد ثورة يناير، والاختيار الذي فتح جبهات جديدة ضد الحركة بعضها من داخل المعسكر الثوري، فكانت حركة 6 إبريل تدافع عن اختيارها بأن لجماعة الإخوان الحق في أن يكون لها مرشح، وعلينا أن ندعم مرشحا ينتمي لثورة يناير ضد المرشح المنتمي لعهد مبارك. ثم لم تكن الأحوال على ما يرام في فترة حكم الرئيس محمد مرسي، فكان هناك رفْض لحكم "الإخوان المسلمين" في قطاعات البيروقراطية والدولة العميقة والمؤسسات الأمنية، بالإضافة إلى قطاعات شعبية واسعة، ولم تستطِع الجماعة اجتذاب القوى الثورية في صفها، بسبب أخطاء وممارسات عديدة وسوء تقييم الأمور. إلى أن كان ما كان في 30 يونيو/ حزيران 2013 وانقلبت الأحوال. وعلى الرغم من اشتراكها في التحرّكات المعارضة لسياسات "الإخوان" وطريقتهم في الحكم، إلا أنه كانت لحركة 6 إبريل مواقف واضحة في رفض الإقصاء والقمع وانتهاك حقوق الإنسان، وأعلنت رفضها إجراءات ما بعد "3 يوليو" وعودة السلطوية، فمصر يجب أن تكون وطنا للجميع، بمن فيهم الإسلاميون، وكل من يدعو إلى أفكاره بشكل سلمي. ولذلك تم حظر حركة 6 إبريل في النصف الأول من عام 2014 بعد رفضها كل مسار ما بعد 3 يوليو 2013، وطورد أعضاؤها وقياداتها وكوادرها الذين أصبحوا الآن بين مسجون أو مطارد أو في المنفى، وسط مناخ عام وتحريض إعلامي رسمي، يعتبر تواريخ مثل 6 إبريل2011 أو 25 يناير 2013 تواريخ للفوضى والتمرّد والخروج على النظام.
وعلى الرغم من ذلك، لا يزال شباب 6 إبريل على عهدهم بالتمسّك بمبادئ ثورة 25 يناير، 
وكل القيم التي تدعو إلى التسامح والتعايش ومساندة العدل والحرية والكرامة، على الرغم من الخطاب الرسمي في وسائل الإعلام الموالية للسلطة، والذي يحض على الكراهية وإقصاء كل من يعترض أو لديه رأي مختلف. بالتأكيد لم تعد الحركة قادرةً على التجمع والتنظيم مرة أخرى منذ سنوات، وهذا هو حال سائر التنظيمات في مصر، فالكل محاصر الآن، والمجال العام أصبح مغلقا بشكل تام، وأي نشاط فيه شبهة المعارضة قد يؤدي بصاحبه إلى البقاء في السجن سنوات. ولكن لا يزال القلب يحمل الحنين نفسه للثورة، ولا يزال العقل يحمل الأفكار نفسها التي تنادي بالحرية والديمقراطية وقيم التعايش والتسامح وقبول الآخر، حتى يجعل الله أمرا كان مفعولا.

DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017