ماذا لو كنتَ اليوم فلسطينياً؟

ماذا لو كنتَ اليوم فلسطينياً؟

09 ابريل 2019
+ الخط -
إذ تجلسُ في كنبتكَ، وأنتَ تتفرّجُ على أخبار العالم، وتتنقّلُ بين القنوات المحلّية والعربيّة والأجنبيّة، متابعًا لملمة وجمع قِطَع بازل ليس بذلك التعقيد أو الصعوبة، لا بدّ وأن يخطر، عاجلاً أم آجلاً، في بالك السؤال: ماذا لو كنتَ اليوم فلسطينيًا؟ كيف تراكَ ستتلقّى أخبارَ العالم من حولك، وبمَ ستشعر حيال ما يجري، أنتَ الموضوعُ في كلّ لحظة وثانية في قلب الحدث، غير القادر على أخذ نفَس، المضغوط المقموع المهدّد في حياتك كلّ ساعة، الممنوع من إعلان هدنة، طلب مهلة، أو من الإيمان بعدُ ببصيص نورٍ ضئيل، بخيط أمل واهٍ، بوهم؟
لقد أدركتَ أن معظمَ ثورات الربيع العربيّ التي بوشرت منذ عام 2011 قد أُجهضت، وتحوّلت حروبا أهلية أو أنظمة عسكرية أعتى وأعنف من تلك التي سادت قبلا. صحيحٌ أنك تعي إنجازَ هذه الثورات الأكبر، القائمَ على كسر الخوف لدى شعوبها، وعدم إمكانية العودة إلى الوراء، لكنّك في الواقع لا تدري أين يُصرَّف هذا اللاخوف المستجدّ، وإن كنت مقتنعا بما يقوله بعضُهم عن ربيعٍ عربيّ ثانٍ جارٍ في بلدان المغرب العربي، تونس أوّلا، والجزائر حاليا، وعسى ليبيا والمغرب والـ... ذات يوم.
ولقد علمتَ أخيرا أنّ كلّ الإجراءات والتحقيقات والاتهامات التي وجّهت إلى مصيبة المصائب، رئيس الولايات المتحدة الأميركية، دونالد ترامب، من جهاتٍ سياسيةٍ وأمنية، ومن نساء اتّهمنه بالتحرّش الجنسي، وأطرافٍ بالاختلال العقليّ، وكانت كلّها تؤمّلك بإمكانية عزله وتقصير مدّة ولايته، لم تثمر للأسف نتيجة، وقد باءت جميعها بالفشل، مع استفحال اليقين بأنه أسوأ رئيس للولايات المتحدة عرفه العالم على الإطلاق.
أمّا في ما يخصّ إسرائيل المُطبِقة على نفَسك، فأنت لا تني تتفرّج على العالم يهبّ إلى نجدتها، بكل ما أوتي من وسائل، فالفرنسيون يريدون إصدار قانونٍ يعتبر معاداة الصهيونية معاداة للسامية! والرئيس الأميركي إيّاه يوقّع مرسوم الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، على غرار اعترافه بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل. وبوتين يسلّم إسرائيل رفات الجندي من كتيبة الدبابات الإسرائيلية، زخاريا باومل، الذي فُقد في معركة السلطان يعقوب في لبنان عام 1982، بعد أن كان المتحدّث باسم الجيش الروسي، إيغور كوناشينكوف، قد أعلن أن إسرائيل "ناشدت روسيا مساعدتها في العثور على رفات الجنود الإسرائيليين الموجودين في مناطق محددة في سورية"، فتم ترتيب عملية البحث "بعد موافقة روسيا على العملية مع شركائنا السوريين".
أجل، هذا كلّه فيما طاعون الإسلاموفوبيا ينتشر في العالم، وأزمات النازحين والمهاجرين تتفاقم، وعباءة الإرهاب تُلقَى على كل من يقاوم لاسترداد حقّه، والغرغرينا تضرب الجسم الفلسطيني، والمشاهد الآتية من هناك، عن حصارٍ وقتل وأسر أطفال وضرب نساء وشيوخ واعتداءات متكرّرة ومتزايدة، تحوّل الحياة في الأراضي الفلسطينية جهنّم يومية..
أجل، ماذا لو أنّك تدرك وتحيا هذا كلّه وأنتَ مقيم هناك، داخل فلسطين المسروقة، المحاصرة، المذلولة؟ ماذا لو أنك كنت تلك المرأة التي ترى ابنها البالغ تسع سنوات، يسوقُه جنود مدجّجون بالأسلحة، متّهماً بأنه رمى حجارة؟ ماذا لو أنك تُشتَم وترمى أرضا، في أرضك التي يدّعي آخرون أنها لم تعد لك، وأنك دخيل عليها، أنت الذي عاش فيها أجدادك وأجداد أجدادك وأجداد أجداد أجداد أجدادك؟ ماذا لو حوصرت في عيشك، ولقمة عيشك، وفي بيتك وعقلك وقلبك؟ ماذا لو انتُزع ضميرُك منك، كما تُنتزع الكلمة من فمك، قبل أن يمتلئ حصى ومرارةً وذلا؟
ماذا لو كنتَ مكان ذلك الفلسطينيّ نفسه، وقد تخلّى عنك العالمُ كلّه، وأنت تُقاد على درب جلجلةٍ لا ينتهي، إلى حيث ستُصلَب وتعلَّق؟
نجوى بركات
نجوى بركات
كاتبة وروائية لبنانية ومؤسسة محترف "كيف تكتب رواية"