بوتين و"رفات" الشرق

بوتين و"رفات" الشرق

06 ابريل 2019
+ الخط -
يعتقد بعضهم أن وجود روسيا في سورية يعني حكماً "وجود قوة مماثلة لنا في السياسة والأيديولوجيا". ويظنّ هؤلاء أن الرئيس فلاديمير بوتين هو جندي في منظومة مدافعة عن النظام السوري، بوصفه "مشاركاً في القرار"، لا "صانع قرار". الحسابات كلها سقطت في الأيام الأخيرة، أقله لدى هؤلاء، مع تسليم روسيا رفات الجندي الإسرائيلي، زخريا باومل، إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قبل أيام من انتخابات الكنيست، يوم الثلاثاء المقبل. لم تكتفِ روسيا بالتسليم، بل أكد بوتين أن "جنوداً روساً وسوريين (تابعين للنظام السوري) شاركوا في عملية البحث عن الرفات وإيجادها". وبعد حديثٍ عن "دفن يليق بالجندي في إسرائيل"، أوضح بوتين أن "العمل جارٍ لإيجاد رفات جنديين آخرين"، وهما تسفي فيلدمان ويهودا كاتز، وقد كانا مع باومل، في دبابة واحدة، في معركة السلطان يعقوب في البقاع اللبناني، بين الجيشين السوري والإسرائيلي، عام 1982، إبّان الاجتياح الإسرائيلي لبيروت. الدبابة أهداها بوتين لنتنياهو في عام 2016.
ماذا يعني هذا كله؟ يعني أساساً أن روسيا تتصرّف كـ"صانع قرار" في سورية، وأن روسيا صديقة للإسرائيليين. وطبعاً لن تسمح بانطلاق أي عمليات مقاومة في الجولان السوري لتحريره من الإسرائيليين، على افتراض أن هناك نية، على الرغم من أن السنوات التي تلت اتفاقية فك الاشتباك بين السوريين والإسرائيليين عام 1974، أوضحت عدم وجود مثل هذه النية. يمكن فهم صدمة كثيرين ممن ظنّوا أن الروس "حلفاء طبيعيون لهم"، وأنهم يتصرّفون على قاعدة "إرساء سيادة النظام السوري". غير أن بعضهم يتناسى أو يرفض الاعتقاد بوجود قاعدة أساسية تحكم كل التعاملات بين البشر، على الرغم من وجود قوانين ناظمة، وهي "القوة تحكم".
روسيا اليوم هي الأقوى في سورية، وهو ما اعترفت به تركيا وإيران والولايات المتحدة، كلٌّ لأسبابٍ مختلفة. بالنسبة إلى الأتراك، تسمح العلاقة الاقتصادية، تحديداً في مسألة الغاز، مع الروس، ببراغماتية متبادلة في الشمال السوري، خصوصاً في عمليات تسيير الدوريات في إدلب. بالنسبة إلى الإيرانيين، إن الوجود الروسي في سورية جاء إثر زيارة لقائد الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، إلى موسكو، في صيف 2015، وهم يعلمون الدور الروسي في إبعادهم عن الحدود السورية الجنوبية، أي في الجولان، عن الاحتلال الإسرائيلي. أما الأميركيون، فيعلمون أن تعدد الساحات الصدامية أو المشتركة مع الروس في العالم يسمح بتفاعلٍ ثنائي بينهما أكثر، على قاعدة "الواقعية أولاً".
حسناً، هناك أمر حقيقي، يجب عدم نسيانه أو تخطيه: مع أن بوتين متخرّج من الاتحاد السوفييتي السابق، ويُعتبر شيوعياً، إلا أنه عمل، في التسعينيات، على اكتشاف "حقيقة وجوده" في الحياة. بدأ تسلّق السلطة على قاعدة ليبرالية، مشبعة بالقومية الروسية، لا السوفييتية، أي غير الأيديولوجية المرتبطة بالشيوعية السابقة. بوتين يتصرّف حقيقة كرجل أعمال. لا يختلف عن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في ذلك، لكنه أكثر دهاءً منه. ورجل الأعمال عادة لا مبادئ تسيّره سوى المصالح، تحت عنوان "الواقعية السياسية". بوتين واقعي. أثبتت التحديات التي خاضها منذ وصوله إلى الكرملين في عام 2000، قدرته على التحرّك بواقعية. الرجل ليس مجنوناً، لكنه يملك القدرة على جعل العالم يجنّ، كعادة أي رجل أعمال.
ماذا يعني هذا؟ يعني أن الرهان على بوتين لنصرة القضايا العربية، تحديداً القضية الفلسطينية، غير واقعي. الروس لا يريدون أكثر من حلّ الدولتين. أما في لبنان، فإن وجودهم الذي يعملون عليه، نفطياً خصوصاً، سيُترجم في إعادة إحياء اتفاق الهدنة بين لبنان والإسرائيليين الموقّع عام 1949. سينتظر بوتين نتائج العقوبات الأميركية على إيران، للتحرّك في هذا السياق. الآن، ما الذي يُمكن فعله تجاه طموحات بوتين؟ لا شيء، بل الاعتراف فقط بأن الروس أتوا إلى الشرق ولن يرحلوا. بالنسبة إلى الدبّ إنه فصل الربيع.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".