المغرب.. معركة إصلاح التعليم

المغرب.. معركة إصلاح التعليم

06 ابريل 2019
+ الخط -
سيحتفظ التاريخ لحكومة سعد الدين العثماني في المغرب، بنجاحها النوعي في اعتماد أسلوب "تهريب القوانين"؛ إذ تعمد إلى مطالبة البرلمان في الفترة الفاصلة بين الدورتين الخريفية والربيعية، بعقد دورة استثنائية لمناقشة مشاريع قوانين من الأهمية بمكان. تفرض طبيعة مواضيعها، والقضايا التي تنظمها، أن يخصّص لها حيز زمني أكبر من الذي تسمح به عادة دورة استثنائية، ناهيك عن ضرورة متابعة تلك المشاريع بالنقاش والتحليل في الإعلام العمومي.
نجحت الحكومة السنة الماضية، في عقد دورة تشريعية استثنائية، مرّرت فيها القانون المتعلق بمعالجة مساطر صعوبات المقاولة، الذي ينسخ ويعوض أحكام الكتاب الخامس من مدوّنة التجارة، من أجل وقف نزف إفلاس المقاولات في المغرب؛ بعدما تصاعَد إجمالي المقاولات المفلسة في المغرب؛ من 1729 مقاولة سنة 2007 إلى 8192 مقاولة سنة 2017، وآلت 9 من أصل 10 مقاولات تم إخضاعها لهذه المساطر إلى التصفية القضائية.
أرقام تكشف حساسية ودقة المجال الذي ينظمه هذا النص القانوني، والدور المنوط به، قصد حماية المقاولة التي تشكل العمود الفقري للنسيج الاقتصادي المغربي، ومن خلالها حماية "المصلحة العامة" في الاقتصاد التي باتت مقرونة بالمقاولة. بيد أن كيفيات تمرير هذا النص في غرفتي البرلمان، والوقت المتاح أمام المؤسسة التشريعية لدراسته ومناقشته، لا يعكسان هذه الأهمية. إذ لم يكن من نصيب قانون يمثل 1/5 من مدونة التجارة، سوى 46 ساعة من النقاش، موزعة على عشرة اجتماعات من أجل دراسة ومناقشة 249 مادة.
تعتزم الحكومة هذه الأيام تكرار السيناريو نفسه، بعدما اقترحت أحزاب الأغلبية، في آخر 
اجتماع لها، عقد دورة برلمانية استثنائية، ما حدا رئيس الحكومة إلى التوقيع على مشروع مرسوم، دعا فيه البرلمان إلى عقد هذه الدورة، قصد تمرير مشاريع قوانين تعتبرها الحكومة جاهزة، ولا يمكنها الانتظار حتى انطلاق الدورة البرلمانية المقبلة في 12 إبريل/ نيسان المقبل، وفي مقدمتها التي ترِد في جدول أعمال هذه الدورة مشروع قانون إطار متعلق بمنظومة التربية والتعليم، الذي ظل محط جدل كبير بين مختلف القوى السياسية والمجتمعية في المغرب، منذ طرحه أول مرة للتداول العمومي، بعد عرضه على أنظار المجلس الوزاري.
يُتوقع أن يتم إقرار هذا القانون، بعد اعتماد سياسة جبر الخواطر وترجيح منطق التسويات، بشأن النقاط المختلف بشأنها في مقتضيات مشروع القانون؛ وخصوصاً مسألة لغة التدريس (اللغة الفرنسية) وأداء الرسوم (إلغاء المجانية). بذلك، ينتصر مجدّداً أسلوب التوافق المحكوم بالحسابات السياسوية الضيقة على مصلحة العامة للوطن ومستقبله، في التعليم، ثاني قضية في سلم الأولويات لدى المغاربة، ليرهن مستقبل أجيال بأكملها.
اختارت الأطراف المتصارعة بشأن مقتضيات هذا القانون التزام الصمت، بشأن جوانب عديدة، تستحق أن يثار بشأنها نقاش عقلاني وعميق. ولكن لا تضمن لأصحابها تحقيق التسويق والدعاية الإعلامية، على غرار النقطتين السابقتين، ما جعلها طيّ التجاهل، على الرغم مما تمثله من أهمية.
أولاً؛ كون مبادرة تشريعية من هذا النوع في صيغة "قانون إطار"، قصد تنظيم قطاع حيوي بالنسبة للمغاربة قاطبة، تفترض أن يسبقها أو يتخللها حوار وطني، تشارك فيه أطياف المجتمع المغربي كافة. ناهيك عن أن الحكومة، بإقرارها لقانون الإطار هذا، تضع نفسها أمام مأزق قانوني لم يتحدّث عنه أحد. فلا يُعقل أن تسنّ قانوناً عادياً سوف تؤطر مقتضياتُه قانونين تنظيميين (اللغة الأمازيغية، المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية) لم يصدرا بعد، ويشكلان جوهر العملية التعليمية.
ثانياً؛ احتدام السجال الإيديولوجي بين القوى السياسية والمجتمعية بشأن لغة التدريس، من دون أي حديث أو إشارة؛ ولو على سبيل الغمز أو اللمز، إلى المضمون والمحتوى، فسؤال 
المضمون مقدّم عن سؤال الأداة، فقبل البحث عن اللغة المناسبة للتدريس، ينبغي حسم طبيعة المعارف المفروض تدريسها، ونوعيتها، بفرض القطيعة مع مناهج الحفظ والتلقين والحشو، التي تشكل العمود الفقري للمقرّرات الدراسية المغربية، بمختلف المستويات التعليمية.
ثالثاً؛ إثارة النقاش بشأن محتوى البرامج والمقرّرات يستدعي بالموازاة نقاشاً بالدرجة نفسها من الأهمية، بشأن التكوين والتأهيل، فالعنصر البشري دائماً ما يثار باعتباره أحد الأعطاب الأساسية للمسألة التعليمية في المغرب، وخصوصاً مع اعتماد تقنية التكوينات المستعجلة وأسلوب التعاقد، لفكّ مشكلة الاكتظاظ التي باتت تحرج الدولة، والتي غالباً ما تكون على حساب جودة العملية التربوية من أساسها.
هي مجرد أمثلة لبعض الجوانب التي ينبغي أن تثار عند مناقشة قانون إطار بشأن قطاع حيوي، تؤرق مشكلاته كل الأسر المغربية. ولكنّ شيئاً من هذا لم يقع، فعلى الرغم من وعي الدولة بالمشكلة الاستراتيجية لقطاع التعليم، إلا أنها ترفض أن تتصرّف بعقل استراتيجي؛ فأزمة التعليم في المغرب لا يمكن اختصارها فقط، كما يسوّق بعضهم، في مجرد وثائق نوعية، لم يتوفر الإطار القانوني لإلزام القطاع المعني بمقتضياتها.
إنها أزمة بنيوية بحاجة إلى جرأة سياسية استثنائية، لم تكن لدى الحكومات السابقة التي اختارت الحلول السهلة والترقيعية (الميثاق الوطني للتربية والتكوين 1999/ المخطط الاستعجالي في التربية والتعليم 2009)، ولا تملكها الحكومة الحالية التي تنهج أسلوب الدورات الاستثنائية، لسحب البساط من تحت أرجل المؤسسة التشريعية، وتمرير القوانين التي تخشى عليها من البلوكاج، إن هي طرحتها بالطريقة العادية.
صفوة القول، إن إصلاح قطاع التعليم في المغرب سيبقى معلقاً حتى إشعار آخر، فالإرادة الحقيقية لخوض هذه المعركة بعيداً عن الإملاءات الأجنبية (فرنسا، البنك الدولي..)؛ على غرار تجارب أفريقية عديدة أبرزها رواندا، غير متوفرة حتى الآن في المغرب.
E5D36E63-7686-438C-8E11-321C2217A9C8
E5D36E63-7686-438C-8E11-321C2217A9C8
محمد طيفوري

كاتب وباحث مغربي في كلية الحقوق في جامعة محمد الخامس في الرباط. عضو مؤسس ومشارك في مراكز بحثية عربية. مؤلف كتاب "عبد الوهاب المسيري وتفكيك الصهيونية" و "أعلام في الذاكرة: ديوان الحرية وإيوان الكرامة". نشر دراسات في مجلات عربية محكمة.

محمد طيفوري