عن التعليم في الأردن

عن التعليم في الأردن

05 ابريل 2019
+ الخط -
احتفظ التعليم في الأردن بقيمة كبرى، ذات ظلال اجتماعية واقتصادية، منذ منتصف القرن العشرين، حتى يكاد يكون أحد أهم روافد الاقتصاد الوطني وثرواته، فالتعليم ظل يشغل ركناً أساسياً في اهتمامات الأسر الأردنية، حتى تنفق الأسرة الغالي والنفيس لتعليم أولادها وبناتها، ما جعله يمثل عنصراً محورياً في التميّز الاجتماعي. كذلك أفاد الاستثمار في التعليم في رفد الاقتصاد الوطني بمداخيل مهمة، سواء عبر تصدير المتعلمين الأردنيين إلى الأسواق المجاورة، وتلقي، من ثم، تحويلاتهم المالية إلى داخل الأردن، أو من خلال استقطاب مئات آلاف الطلبة من دول عربية ومسلمة للدراسة في الجامعات الأردنية، منذ تأسيس أولى الجامعات الأردنية، عام 1962.
ولمّا كان للتعليم في الأردن هذه الأهمية الاستثنائية، كان طبيعياً أن يلحظ المراقب الموضوعي تغيّر قيم أساسية فيه، وتراجع مستوى قطاع غير هيّن من المؤسسات التعليمية الأردنية، خصوصا المدارس الحكومية، والجامعات الحكومية أيضاً. حدث هذا بينما مثّل التعليم الركيزة الأساسية لنجاح تجارب نهضوية عالمية، كالتي عرفتها دول شرق آسيا، في الربع الأخير من القرن العشرين، مثل ماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة، وهي تجارب ارتقت ببلدانها النامية، وتقدّمت بها خطوات واسعة على سلم التنمية والرفاه والمشاركة في الحضارة الإنسانية المعاصرة، من بوابة الاستثمار في طاقات الإنسان، وتوجيهه مدخلاً أساسياً للاقتصاد. هكذا، ونتيجة إتاحة فرص التعليم لكل الناس، فقيرهم وغنيّهم، تربح الدولة طاقات أبنائها ومواهبهم وقدراتهم، وتوظفها للنهوض بالبلاد في مختلف المجالات.
من هذه الزاوية، يمكن ملاحظة تبدّل قيم التعليم في الأردن، إذ باتت تسوده طبقية بيّنة: أبناء الأغنياء تتاح لهم الدراسة في أحسن المدارس التي هي، بطبيعة الحال، مدارس خاصة ذات رسوم مرتفعة، ومن ثم الحصول على أفضل فرص التعليم الجامعي في أميركا وأوروبا، 
وصولاً إلى أفضل الوظائف وأرفعها وأكثرها دخلاً، والتي تتناسب مع تأهيلهم التعليمي. بينما أبناء الفقراء يدرسون في المدارس الحكومية، ضعيفة التعليم، رديئة البيئة التعليمية التي لا توفر معرفة متميزة، ولا تستخرج موهبة دفينة، إلا باستثناءاتٍ نادرة، وصولاً بعد سنوات إلى أدنى الوظائف والمهن على سلم التراتبية الوظيفية، بحجة أنهم غير مؤهلين تعليمياً: درسوا في مدارس حكومية، ولم يتخرّجوا من أميركا، ولا بريطانيا، كأقرانهم أبناء الأثرياء وأصحاب النفوذ! وما بين الحالين تعليم متوسط الكلفة في مدارس خاصة محدودة التميز، لا يصنع فرقاً كبيراً عند أبناء الطبقة الوسطى، مقارنة بالتعليم الحكومي شديد الضعف الذي يتلقاه الفقراء، سوى أنه يوفر بيئة تعليمية أفضل من التي في مدارس الحكومة، ثم يصعد بهم إلى جامعات الحكومة التي لم تعد كما كانت، لا من حيث البيئة الجامعية، ولا من حيث جودة التعليم، ومستوى تأهيل الطلبة.
وبينما بات الأردن اليوم يواجه تحدياتٍ اقتصاديةً غير مسبوقة في تاريخه المعاصر، يكون غريباً غياب التفكير في تجويد التعليم، وإتاحته للجميع، مدخلاً رئيسياً للمستقبل، والقضاء على ما استجد من تشوه تعليمي في العقود الأخيرة، حصر التعليم الجيد بمن يقدر على تحمّل الرسوم الدراسية الباهظة التي تتجاوز قيمتها في متوسط الحالات خمسة عشر ألف دولار في السنة الواحدة للطالب الواحد في المراحل الدراسية المتوسطة، في بلدٍ يبلغ فيه متوسط الدخل السنوي للفرد أقل من نصف هذا المبلغ! مقابل دفع أبناء الفقراء إلى العمل المهني وترويجه بأنه "ليس عيباً"! نعم، هو ليس عيباً، حين لا يكون له بديل نتيجة مستوى التحصيل العلمي للطالب، على أن يشمل ذلك أبناء جميع الطبقات على قدم المساواة، لا أن يكون حصراً بأبناء الفقراء.
لقد عرف الأردن من قبل تكافؤ فرص التعليم، حين ظل، خلال عقود سابقة، يوفر لأبنائه تعليماً جيداً ومتميزاً في المدارس الحكومية، ثم الجامعات الحكومية، ما أتاح لأبنائه تكافؤ فرص العمل، فتقدمت البلاد سريعاً. نريد، نحن الأردنيين، لبلدنا أن يعود إلى تميزه وسبقه وكفاءة إنسانه، عبر العودة إلى توفير التعليم الجيد لجميع طلبته بدون تمييز، ليكون من هؤلاء الطلاب العالم والمخترع والمفكر، فقراء كانوا أم أغنياء، ما يتيح لهم "تكافؤ الفرص" في سوق العمل، وفي الارتقاء الوظيفي، وفي خدمة وطنهم.

دلالات

1E93C99F-3D5E-4031-9B95-1251480454A7
سامر خير أحمد

كاتب أردني من مواليد 1974. صدرت له سبعة كتب، أبرزها: العرب ومستقبل الصين (بالعربية والصينية)، العلمانية المؤمنة، الماضوية: الخلل الحضاري في علاقة المسلمين بالإسلام، الحركة الطلابية الأردنية. رئيس مجموعة العمل الثقافي للمدن العربية.