قلب أمه

قلب أمه

01 مايو 2019
+ الخط -
"ربنا يصبّر قلب أمه"... هذا الدعاء الذي تلهث به ألسنتنا، حين نعرف بنهاية موجعة لشاب أو طفل، لا يتوقف مع الدعاء بالرحمة لبريء لم يقترف في الحياة ذنوبا لقصر عمره فيها، ولذلك نتمنى له حياة أفضل في عالم آخر، ولكننا نرجو كل الصبر لقلب الأم، ولا نتوقّف عن تحديد قلب الأم بالصبر، على الرغم من أن العلم يؤكد أن القلب ما هو إلا عضلة من مجمل عضلات جسم الإنسان، بل إنه من العضلات اللاإرادية، لا نستطيع التحكّم فيها. أما العلماء فقد أسرفوا في تخصيص عمل القلب عضوا مهما من أعضاء الجسم بأنه مضخة تضخ الدم إلى كل أنحاء الجسم، فما الذي نرجوه إذن من عضلةٍ ومضخة؟
قبل أيام قليلة، شاهدت فيلما كوميديا بعنوان "قلب أمه". لا شكّ في أن كمية الفانتازيا في الفيلم غير معقولة، مثل خروج مريضٍ من المستشفى، بعد ساعات من إجراء عملية زرع قلب. وبالمناسبة عمليات زرع القلب ما زالت محدودة في العالم، إلا أن حبكة الفيلم ذاتها قد ارتكزت على معلومةٍ مهمةٍ، عكس ما وصل إليه العلماء في السابق، وهو أن القلب ليس عضلةً أو مضخة، فالقلب الذي تم نقله إلى زعيم العصابة هو قلب أم لشاب صغير، لا يستطيع أن ينظر إلى أبعد من قدميه، من دون استشارة أمه ورأيها وإرشاداتها. وعلى الرغم من أن هذا الأسلوب خاطئ من ناحية تربوية، إلا أن حبكة الفيلم تأخذنا إلى إيجابية هذه العلاقة، والتي ربطت الشاب بقلب أمه، حتى بعد وفاتها، وبعد أن تم زرع قلبها في جسد زعيم عصابةٍ شرس، لا يحمل أي قدر من الإنسانية.
يتحول زعيم العصابة إلى أم حنون رؤوم، يخاف على الشاب يونس الذي فقد أمه، ويرعاه ويتفقد أحواله، ويهيئ له راحته، مثلما كانت تفعل أمه تماما. وتدخلنا أحداث الفيلم في إطار كوميدي من المقالب التي توضح أن قلب الأم استطاع أن يسيطر على الزعيم الخطر، ويحوله إلى كائن وديع، وأن قلب الأم ينتصر، في النهاية، فهو لا يقوى على إيذاء الشاب يونس، على الرغم من أنه كان يسعى إلى ذلك، معتقدا أنه بخلاصه منه سوف يتخلص من الرابطة التي تربط قلبه بهذا الإنسان الوحيد الذي أحبته الأم طوال حياته، بل على العكس، بل أصبح سندا له ومدافعا عنه.
تعتقد وأنت تتابع هذه الأحداث الكوميدية أن ما يحدث بعيد عن الواقع، ولكن العلم الحديث والتجارب العلمية العملية أثبتت، بما لا يدعو إلى الشك، أن للقلب ذاكرة تعرف بـ"ذاكرة الخلية"، وبأن نقل القلب من شخص إلى آخر لا يعني أنك تنقل عضلةً أو مضخة كما كان يعتقد. وقد سجلت حوادث كثيرة تدل على هذه المعجزة العلمية، والتي أخبر عنها القرآن الكريم في أكثر من موضع، مثل قوله تعالى "الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم ألا بذكر الله تطمئن القلوب". وفي ذلك إشارة صريحة إلى أن القلب هو موضع المشاعر، فالقلب يطمئن ويجزع، ويخشع ويخاف ويقسو، ويلين.
ومن قصصٍ تدل على ذلك ما جمعته كبرى الصحف في العالم عن أشخاص عاشوا بقلوب غيرهم، وظهرت عليهم طباعهم وعاداتهم، ونقلت لهم مشاعرهم ونفسياتهم، فليس غريبا أن ينشر زعيم العصابة الغسيل ويجمع الملابس الجافة عن حبل الغسيل، قبل أن تغرق بماء المطر، لأن امرأة تُدعى كلير سيلفيا تم زراعة قلب شاب لها في العام 1988، وأصبحت تتصرف تصرفاتٍ ذكورية منذ ذلك الحين، فهي تحب بعض الأكلات التي لم تكن تطيقها، وتسرف في شرب البيرة. وحين قابلت أهل الشاب المتبرع أخبروها أن ابنهم كان يقوم بهذه التصرفات. وتوصلنا هذه القصة وغيرها إلى ذاكرة الخلية، وإن كل عضو في جسم الإنسان يحمل ذاكرةً عن الشخص تحوي شخصيته وتاريخه، وحين ينقل هذا العضو إلى شخص آخر، لا نستغرب أن تتغير شخصيته، مثل أن يصبح زعيم العصابة من أفضل الأمهات التي تعد الرقائق والشطائر.

دلالات

avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.