فقاعة "صفقة القرن"

فقاعة "صفقة القرن"

28 ابريل 2019
+ الخط -
منذ وصول الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى الحكم، بدأنا نسمع عما تسمى "صفقة القرن". كثير من الكلام قيل، وكثير من التسريبات وردت في وسائل إعلام عديدة حول هذا المشروع الغريب الذي يصرّ المعنيون به أنهم لا يعلمون عنه شيئاً. فإضافة إلى الفلسطينيين الذين لا يبدو أن رأيهم سيؤخذ بالاعتبار، في حال صحّ وجود هذه الصفقة، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أعلن في أكثر من مناسبة أنه لا يعلم تفاصيل هذا المشروع الذي يتم الحديث عنه. الأمر نفسه بالنسبة إلى الفاعلين الدوليين، وفي مقدمتهم روسيا، إذ أكد وزير الخارجية، سيرغي لافروف، أن موسكو تحتاج للاطلاع على "صفقة القرن" هذه قبل أن تحدد موقفها منها.
الأنكى من ذلك، أنه منذ بدء الحديث عن الصفقة، يدأب المسؤولون الأميركيون على إعلان موعد مبهم للكشف عن تفاصيلها، على غرار "خلال أشهر قليلة"، كما قال وزير الخارجية مايك بومبيو قبل شهور كثيرة، أو كما هو الآن مع جاريد كوشنير، صهر الرئيس الأميركي ومستشاره وعرّاب الصفقة المزعومة، إذ أعلن أن "صفقة القرن" سيتم الكشف عنها "بعد شهر رمضان"، وهي فترة أيضاً قد تمتد إلى أشهر.
هذا الإطار الزمني المفتوح على لا موعد واضح يقرّبنا من انتهاء الولاية الأولى لدونالد ترامب ودخول الولايات المتحدة في تحضيرات الانتخابات الرئاسية، وانشغال الإدارة الجمهورية للبيت الأبيض في معركة الولاية الثانية لترامب. والمعلوم أن القضايا الخارجية لا تعني الناخب الأميركي في شيء، وبالتالي فصفقة القرن وتبعاتها وأبعادها لن تكون في محور اهتمام هذه الإدارة، هذا إذا افترضنا أن الصفقة جدّية، أو أنه في حال وجودها فعلياً فإن تطبيقها سيكون ممكناً.
إلى الآن، لا يبدو الحديث عن "صفقة القرن" سوى فقاعة إعلامية، في غياب المعلومات الحقيقية والمباشرة عن تفاصيلها، فباستثناء إتيان مسؤولين أميركيين وإسرائيليين وعرب عليها، فإن أحداً لم يخرج ليقول إنها ستتضمن هذه النقطة أو تلك، أو أن ما عرض علينا إلى اليوم في هذا المشروع نختلف أو نتفق معه في هذا الشأن أو ذاك، فمن الواضح أنه حتى المسؤولون الأميركيون القائمون على هذه الصفقة لم يعرضوا تفاصيلها بشكل واضح على المعنيين في المنطقة بها. إذ إن مسؤولين فلسطينيين كثيرين، وحتى عرب، استقوا ما لديهم من معلومات عن "صفقة القرن" من تسريبات صحافية متضاربة تتبدل مع تبدل الاتجاهات السياسية. على سبيل المثال، كانت التسريبات الأولى للمشروع الأميركي تتحدث عن تمدّد قطاع غزة نحو صحراء سيناء المصرية، لتوسيع مساحة الدولة، أو الدويلة الفلسطينية، لتكون قادرة على هذه استيعاب اللاجئين الراغبين في العودة. قد تكون هذه الفكرة واردة في أذهان العرّابين الأميركيين للمشروع، غير أنه يبدو أن عقباتٍ باتت تحول دون تطبيقها، لتتحول التسريبات إلى مكان آخر، ويعود الحديث عن الأردن وطناً بديلاً للفلسطينيين، وهو ما شدّدت عمّان على رفضه، ما يعني أننا قد نترقب تسريبات عن تحول جديد في الصفقة ومحتوياتها.
اعتدنا، خلال معايشة تعاطي الإدارات الأميركية السابقة مع التسوية والقضية الفلسطينية، على أن كل إدارة تأتي بمشروعها الخاص لحل هذه القضية، وينتهي دائماً بالفشل. بالنسبة إلى إدارة ترامب، سعت منذ اليوم الأول إلى ترويج "صفقة القرن" باعتبارها مشروعها للحل، غير أن التضارب في المعلومات وشحّ التصريحات الرسمية، والمماطلة الأميركية في إعلان موعد الكشف عن تفاصيل "صفقة القرن"، تؤشر إلى أن الإدارة الأميركية نفسها لم تحسم ما قد تتضمنه الصفقة، وأي معطيات يمكن إضافتها إليها قبل موعد الإعلان الرسمي، هذا في حال كانت هذه "الصفقة" موجودة فعلاً.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب رئيس تحرير "العربي الجديد"، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".