استراتيجية للمستقبل

استراتيجية للمستقبل

28 ابريل 2019
+ الخط -
الشعوب التي تحركت أو ستتحرك في هذا الوقت ضد طغاتها تعي جيدا ما حدث في الدول التي شهدت ثورات مضادة، فهي تعلم أن قبول الثورة السورية بالدعم السعودي والإماراتي كان خطأً فادحاً.
تعلم هذه الشعوب جيدا أن السعودية أو الإمارات لم تكن ضد بشار الكيماوي، بقدر ما كانت ضد ارتمائه في الحضن الإيراني، ودعم بعض الفصائل كان فقط نكاية في نظامه وبشروط أميركية.
المثل يقول "الشاطر لا يلدغ من الجحر مرتين"، وما نشاهده الآن في السودان والجزائر هو وعي كبير من شعبي البلدين بما يحاك ضدهما من محاولاتٍ من دول أخرى لطمس ثورتهم، فحتى الأنظمة التي ليست حليفة للجزائر أو السودان من المنطقة، لن تتمنى نجاح الشعوب في التحكم في مصيرها، لأن ذلك يعني أنهم سيتحسسون رقابهم، وذلك سيحصل على أي حال ولو بعد حين.
وعلى الرغم من أن الشعوب ستستفيد من التجارب السابقة إلا أنّ لكل شعب خصوصيته، والحذر مطلوب فقط من العوامل المشتركة بين جميع الثورات. ويبقى أهم شيء ألا تنجر الشعوب إلى العنف وتفويت الفرصة على أمراء الدم. ولعل هذا هو الطريق السليم الذي اتخذته الانتفاضتان الجزائرية والسودانية، على الرغم من أنني أميل إلى القول إن الجيش السوداني يدير مشهدا تمثيليا ما زال الشعب له بالمرصاد.
المغرب أيضا من الدول التي تشهد احتجاجات بين الفينة والأخرى، لكنها غالبا لا تبرح منطقةً من مناطق المغرب، ما يجعل الإجهاز عليها من الدولة أمرا سهلا. المغرب ليس في منأى عن دول المنطقة، وقد وصل الاحتقان الطبقي إلى حد قابل للاشتعال. والقاعدة الأساسية لأي حراك مستقبلي هي الوعي، فبدونه سيكون تحريفه أمرا سهلا، فالوعي في المطالب ومواءمتها مع خصوصية الشعب، بما يضمن صمت المترددين على الأقل، وعدم الوقوع في الأخطاء كالخوض في الأعراق.
فإذا كان الشعب السوداني مارس سياسة تشتيت الغنم، وأحدث الوقيعة بين الجيش والأمن، ما دفع الجيش إلى إطاحة عمر البشير، فبإمكان المغاربة أيضا أن يستفيدوا من الاستراتيجية.
ليس الحكم في المغرب عسكريا فهو ملكية تنفيذية، ومغاربة كثيرون إذا تحدثوا عن التغيير يتحدثون عن محيطين بالملك وليس عن الملك نفسه، وبإمكان الشعب أن يستخدم شرعيته مع الملك مباشرة، فلا شرعية تعلو على شرعية الشعب.
الشعب يعي جيدا أن الأحزاب المغربية هي من كانت المحتل الأول بعد "مغادرة" الاحتلال الفرنسي، والشعب المغربي يعلم أن هذه الأحزاب ليس لها أي دور عدا التهافت على المناصب، وجعل المغرب ضيعة لهم ولأبنائهم، فهم من يتفردون بمقالع الرمال والصيد أعالي البحار.
حان الوقت ليقول المغاربة كفى، وأن يكون الطلب موجها للملك مباشرة، فالشعب هو من يمنح الشرعية، وبدون مقابل وليس الأحزاب. حان الوقت ليقول المغاربة للملك نعم لحل جميع الأحزاب ومحاسبة ناهبي المال العام وتشكيل قضاء مستقل تكون فيه كلمة العدل هي العليا في المغرب، والإنهاء مع سياسة المحسوبية ومأثورة "أرسلني صاحب الجلالة" و"أرسلني الوزير الفلاني".
كل هذا لن يحدث من دون تحرك حازم من الشعب، يعيد إليه كلمته، ويرسل الفاسدين إلى السجون. لن يحدث هذا مع شعب نائم، ويظن أن الأحلام تتحقق بلا مجهودات جبارة من الشعب.
إذا كُتِب على أي شعب أن يعيش فقيرا فلا مشكل، المهم أن يكون الفقر من أعلى الهرم إلى قاعدته، فليس من المعقول أن تعيش طبقة صغيرة في نعيم ثروات البلد، وتأخذ كل شيء وتترك الشعب بلا أي شيء! أين العدل في وطنٍ يزخر بالثروة، فيما جلّ الشباب يتركز همهم حول الهجرة؟
1839E8F2-F5A8-4995-8AE4-098C5CD5B9A5
1839E8F2-F5A8-4995-8AE4-098C5CD5B9A5
حسان الشويني (المغرب)
حسان الشويني (المغرب)