عندما ينفي غرينبلات الكونفدرالية الفلسطينية مع الأردن

عندما ينفي غرينبلات الكونفدرالية الفلسطينية مع الأردن

28 ابريل 2019
+ الخط -
لا يوجد في صفقة القرن مشروع كونفدرالية (فلسطينية) مع الأردن... صرح المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، في تغريدةٍ له على "تويتر"، في مؤشر على أن الفريق الصهيوني لإدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الصهيوني، بدأ يأخذ بجدية، ولو من باب المناورة، الرفض الأردني الذي عبر عنه الملك عبدالله الثاني علانية. والأهم الغضب والقلق الشعبيان من تداعيات صفقة القرن على مستقبل الأردن.
لا يعني ذلك أن تغريدة غرينبلات تعبّر عن احترام للرأي العام الأردني، فالإدارة الأميركية لا تحترم حلفاءها العرب، وتتوقع منهم إخضاع الشعوب لأي حلٍّ تفرضه لتصفية الحقوق الوطنية الفلسطينية، لكنها تدل على أن فريق ترامب تنبّه إلى أنه لا بد من موقف علني يخفف من الضغوط الداخلية على الملك عبدالله التي تعارض أي تعامل مع صفقة القرن.
لا علاقة لما يثيره تعبير "الكونفدرالية الأردنية الفلسطينية" لدى أوساط واسعة من الأردنيين والفلسطينيين بالمفهوم القانوني للكونفدرالية (وحدة بين دولتين مستقلتين)، بل قد أصبح رديفاً لحلٍّ يشمل إلحاق ما يتبقى من الضفة الغربية إدارياً وأمنياً بالأردن، بعد أن تكمل إسرائيل ضمها معظم أراضي الضفة الغربية والقدس، فالمطلوب إسرائيلياً توجيه الضربة القاضية لفكرة دولة فلسطينية مستقلة، لأن إبقاء وهم "الدولة" لم يعد مهمّا، إذ لم يكن سوى غطاءٍ لكسب الوقت، بينما تكمل مشروعها الاستيطاني، ورسم حدود الكتل السكانية الفلسطينية، ومحاصرتها بالمستوطنات والمنشآت العسكرية والطرق الالتفافية، وخصوصا أن إدارة ترامب لا تهمها الشكليات، بل تريد الاعتراف والقبول العربي بالأمر الواقع الذي تفرضه القوة العسكرية الإسرائيلية.
لذا، فإن نفي غرينبلات لا يعني الكثير؛ فأياً كانت الصيغة النهائية لصفقة القرن، في ما يتعلق بالضفة الغربية، فستكون ترجمة للمخططات الإسرائيلية التي تبحث عن جهةٍ تضمن السيطرة على السكان (الشعب الفلسطيني في الضفة) فيما تحتفظ هي بهيمنتها على الحدود، كما ترسمها، وما تحت الأرض وما فوقها. ومن هنا، يأتي خوف الأردنيين من صيغةٍ تبدو وحدوية في 
ظاهرها، ولكنها غطاء يتولى بها الأردن دور الشرطي على الفلسطينيين، من دون سيادة فلسطينية أو أردنية على الضفة، بما قد يتبعه ذلك من خنقٍ للفلسطينيين يدفع كثيرين منهم إلى الهجرة القسرية إلى الأردن. لذا؛ فإن مجرد الحديث عن أي علاقةٍ للأردن بالضفة الغربية ضمن صفقة القرن يؤكد للأردنيين جعل الأردن وطناً بديلاً للفلسطينيين، وهو ما يمثل تهديداً حقيقياً للأردن، وحلقة متقدمة في تصفية القضية الفلسطينية، وبالتالي، هو موضوعٌ، مجرد إثارته، من دون تحليل موضوعي ووعي بالخطر الإسرائيلي على الحقوق الوطنية الفلسطينية والأردن، تعمّق جدل "صراع الهوية"، وتقوّض الجبهة الداخلية للبلاد بمواجهة تداعيات "صفقة القرن".
واضحٌ أن تغريدة غرينبلات كانت تهدف أيضاً إلى طمأنة الملك عبدالله الثاني الذي أطلق تصريحاتٍ غاضبة قبل شهر، برفض "صفقة القرن" والتوطين و"الوطن البديل"، بعد أن وجد عدم اكتراثٍ من فريق ترامب تجاه وجهة نظر الأردن الرسمية، وعدم إعطاء الملك أي تفاصيل عن الخطة قيد الإعداد، وكما يقول لمن يستقبلهم "لم نر أي قصاصة ورق" من صفقة القرن. ولكن التغريدة استخفاف بمخاوف الأردن، عدا أنّ نفي الكونفدرالية، فكرة أو مخططا، جزءاً من صفقة القرن، لا يبدّد أي مخاوف فلسطينية أو أردنية من التصور النهائي لمستقبل القضية الفلسطينية، وخصوصاً أن الإدارة لا تعارض ضم إسرائيل معظم أراضي الضفة، وأن تصفية الحقوق الوطنية الفلسطينية تعني إنهاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين أو إنكاره.
التسمية ليست مهمة، فمنذ مرحلة إدارة الرئيس رونالد ريغان، والإدارات الأميركية المتعاقبة في بحثٍ عن صيغة لحل دائم لقضية فلسطين يقبل به الفلسطينيون والعرب، يضمن استمرار الهيمنة الإسرائيلية على أرض فلسطين التاريخية بكل أجزائها، وصيغة تحدّد الوضعية الدائمة للأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967، بشرط ألا يؤدي ذلك إلى كيان فلسطيني يتحدّى شرعية إسرائيل.
ولذا، كانت كل الصيغ المقترحة التي اتحذت عدة مسميات، منها كونفدرالية أو فدرالية مع اختلاف معنى المفهومين، لم تنبع من احترام العلاقة التاريخية بين الشعبين، الأردني والفلسطيني، بل ارتأت من خلالها حلاً أمنياً في جوهره يخضع الفلسطينيين والأردنيين إلى شروط علاقة تبعية كاملة لإسرائيل. وحتى حين أعلن الرئيس بوش الابن، ولأول مرة، قبوله بفكرة إقامة دولة فلسطينية "مؤقتة" في عام 2002، استمر التأييد والدعم المالي للاستيطان الإسرائيلي وتهويد القدس وتهديم البيوت واقتلاع السكان وتقسيم الضفة إلى كانتونات سكانية مقطعة، إضافة إلى عزل غزة، لا تبقي من أسس الدولة شيئا، وتصبح اسماً بلا مضمون. وفي حالة إدارة ترامب، المسميات غير مهمة، لأن ترامب يتعامل بعقلية المنتصر الذي يرى أن على "المهزومين من عرب وفلسطينيين" قبول ما يفرضه منطق القوة الإسرائيلية المدعومة أميركيا، ولكن فريقه وجد أنه لا يمكن تقديم "خطة صفقة القرن"، من دون تحديد صيغةٍ سياسيةٍ لمستقبل الصفة الغربية. ومن هنا، بدأ البحث مجددا عن دور للأردن، وهذا ما أثار خوف
 الملك عبدالله الثاني، وعبر عن غضبه بإعلانه لاءات ثلاثاً للتوطين والوطن البديل ولضم القدس. ووفقا لمسؤولين التقوا بالملك، فإن ترامب حاول جس موقفه من قبوله بوضع مسؤولية سكان الضفة تحت إدارته، لكنه أبلغه بالرفض ومعارضته ضم القدس الشرقية، والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، لكن الضغوط الأميركية مستمرة، ولن يستطيع الملك الحفاظ على موقفه من دون بناء جبهة داخلية قوية، وهذ لم يحدث.
وإذا كان غرينبلات أراد تخفيف أجواء الرفض الأردني الشعبي، في لعبةٍ مكشوفةٍ لتهيئة أجواء قبل الإعلان النهائي لصفقة القرن، فهو لم ينجح، بل زادها شكوكاً، خصوصاً أن تحرّكات القصر غير مفهومة، وكلها تشير إلى خوفٍ من مظاهر المعارضة، بدلاً من اللجوء إلى الموقف الشعبي المساند، ولا يزال القصر يستخدم الأدوات نفسها من اعتقالات واستدعاءات أمنية وتنظيم مظاهرات تأييد لا ضرورة لها، خصوصا أن الموقف الشعبي يعي، بل ويتقدّم على القصر في رفضه الإملاءات الأميركية والصهيونية.
ما يزيد المشهد غموضا، ويضرّ بمصداقية موقف الملك، وجود "أصوات" تحيط بالقصر، بدأت بتقديم تبريرات في الندوات السياسية عن استحالة مواجهة خطة ترامب، بحجة أنها تخص الفلسطينيين، وأن الأردن في حالة ضعف، لا تسمح له بتصدر مواجهةٍ كهذه، ولكن هذه الأصوات لا تلقى استجابة، بل ردودا من الاستهجان والاستنكار. ولكن التناقض في المواقف والممارسات يفتح باب التكهنات أن القصر لا يزال يعتمد على لعبة الوقت، وإن كان محدودا أملاً بأن تقدّم إدارة ترامب صيغة مختلفة، لا تشكل تهديداً للدولة الأردنية والنظام، وإن كان في ذلك مجافاة للحقائق، إذ لا ينتظر ترامب إبرام صفقة، بل فرض الإجراءات الإسرائيلية، من دون اعتبار للفلسطينيين أو الأردنيين معاً.