.. والحرب أولها عقوبات وحصار

.. والحرب أولها عقوبات وحصار

26 ابريل 2019
+ الخط -
منذ وصوله إلى البيت الأبيض في واشنطن، وتحقيقاً لوعوده الانتخابية، عمد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، وإلى فرض مزيد من العقوبات التصاعدية على طهران، وإلى وضع مؤسسات وشخصيات إيرانية عديدة على لائحة الإرهاب الأميركية، وقد كان جديدها الحرس الثوري الإيراني، وقد يكون من بينها تاليا المصرف المركزي الإيراني أيضاً. كما عمد الرئيس ترامب إلى إجراءات مماثلة وعقوبات مشابهة بحق أحزاب وقوى وشخصيات ومؤسسات أخرى في المنطقة، حليفة لإيران، أو مرتبطة بها ارتباطاً وثيقاً، ومن هذه القوى، حزب الله في لبنان، حيث اتخذت إدارة ترامب إجراءاتٍ عديدة بحق الحزب وأشخاصه ومؤسساته، وهي تصرّح دوماً بصدد فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية والمالية على الحزب، وربما على أشخاص أو مؤسسات حليفة له، أو ترتبط به بحكم مصالح أو غير ذلك، في الداخل اللبناني وفي الخارج.
جديد فصول العقوبات الأميركية على إيران، والتي يمكن أن تهدد المنطقة بشكل عام، القرارات أخيرا بمحاصرة إيران نفطياً، والعمل لمنعها من تصدير نفطها، وصولاً إلى منعها من بيع أية نقطة منه اعتباراً من الثاني من مايو/ أيار المقبل، وكانت، في وقت سابق، قد منحت بعض الدول (ثماني دول) إعفاءات في هذا المجال، بحيث إنها سمحت لها باستيراد النفط الإيراني، إلا أن العقوبات الجديدة التي تحدّث عنها وزير الخارجية الأميركية، مايك بومبيو، أسقطت هذه الإعفاءات، وأعلنت، في المقابل، أن الولايات المتحدة، والعربية السعودية، والإمارات، ستعمل على تأمين البدائل النفطية في الأسواق العالمية لمنع ارتفاع الأسعار، وبهدف تأمين البدائل للدول التي كانت تستورد النفط الإيراني. وفي هذا السياق، أكدت السعودية أنها مستعدة لتعويض الأسواق بالنفط السعودي، جراء منع إيران من تصدير نفطها.
هذه الإجراءات بمثابة إعلان حرب صريحة وواضحة من الولايات المتحدة على إيران، وكذلك
 هي بمثابة إعلان سيادة القرار الأميركي على العالم، بحيث إنها لم تعتبر مصالح الدول الثمانية التي كانت تحظى بإعفاء وتستورد النفط الإيراني، وهنا يتم انتظار كيفية تعامل هذه الدول، وهي كبرى، مع هذه الإرادة والقرار الأميركي. كما أن إعلان استعداد السعودية والإمارات تعويض الأسواق ستنظر إليه إيران جزءا من الحرب المعلنة عليها في هذه المرحلة. وهنا تأتي مجموعة أسئلة بشأن المدى الذي ستبلغه هذه العقوبات من ناحية؟ والكيفية التي يمكن لإيران أن ترد بها؟ وموقف الدول الكبرى (روسيا، الصين، الهند، تركيا..) من هذه الإجراءات؟
بات من الواضح أن العقوبات الأميركية على إيران وحلفائها في المنطقة تستهدف، بالحدّ الأدنى، تحجيم الدور والنفوذ الإيراني في الإقليم، وتستهدف بالحدّ الأعلى إسقاط النظام في إيران، وتختلف التقديرات بين المحللين حيال الغرض الحقيقي للعقوبات وما سيليها. وفي هذا المجال، تعتبر إيران أن تحجيم نفوذها في الإقليم قد يرتد لاحقاً إلى الداخل الإيراني، فـ "يخلق" نوعاً من الصراعات الداخلية القائمة أصلاً، والتي بدورها تضعف النظام والجمهورية، وقد تطيحهما لصالح ولحساب قوى إيرانية أخرى. ونذكر في هذا السياق، قبل عدة سنوات، كيف اعتبر مسؤولون إيرانيون أن سورية بمثابة إحدى المحافظات الإيرانية، وأن إسقاط النظام فيها يعني بداية انهيار الداخل الإيراني. وبهذا المعنى، لن تقبل إيران تحجيم دورها الإقليمي، ولكن السؤال المنطقي: ما هي الخيارات التي تملكها؟
واضح أيضاً أن خيارات إيران في الإقليم ليست كبيرة وكثيرة، فللحلفاء على المسرح الدولي 
(روسيا والصين وغيرهما) مصالحهم التي تُقدّم على أي شيء آخر، ولن تخوض أي من الدولتين، أو هما معاً حرباً أو مواجهة من أي نوع مع الولايات المتحدة إذا لم تكن محسوبة النتائج بشكل كامل ونهائي، وهذا غير متوفر أو غير مؤمّن إلى الآن، وبالتالي فإن إيران لن تتمكن من الاعتماد على هؤلاء الحلفاء. أما الحلفاء المحليون، أو من يُسمّون "الأذرع"، فإن هؤلاء يملكون إمكانية إزعاج الولايات المتحدة، ولكن لا يملكون إمكانية أكبر من ذلك، ومن هنا السؤال: هل تعمد إيران إلى الاستسلام للإرادة الأميركية والتسليم لها بالنفوذ والقوة في الإقليم، وبالتالي تنكفئ إيران إلى الداخل؟ أم تعمد إلى فتح مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة (إسرائيل، السعودية، الإمارات ..) معتمدة على مجموعاتها المسلحة المنتشرة في كل هذه الساحات، كجزء من حرب استنزاف طويلة، لا تقوى تلك الأطراف على تحمّل نتائجها. وهنا نتذكّر أن من مصلحة بعض الدول الكبرى استنزاف الولايات المتحدة. ويمكن القول إن إيران لن ترضخ للإرادة الأميركية، بل قد تذهب إلى مواجهة محسوبة تفتح المنطقة على حربٍ قد تعيد خلط كل الأوراق.
اليوم ومع العقوبات الأميركية يمكن القول إن الحرب أولها كلام، بل وأولها عقوبات اقتصادية وحصار، فإذا رضخت إيران لهذه العقوبات والحصار فإنها تجنّب نفسها الحرب، وإذا لم ترضخ فإن المواجهة قادمة.