حسابات قاتلة

حسابات قاتلة

26 ابريل 2019
+ الخط -
بين المفارقات التي تلازم كل حرب، وبدأت تفعل فعلها في الساحة السورية، واحدة تقول: إن من يوهم نفسه بأنه انتصر هو الذي ستنزل به هزيمة كارثية، تلوح بشائرها في سياسات واشنطن وموسكو تجاه سورية وصراعاتها، ويبدو مسارها وكأنه سيأخذ من الآن فصاعدا مسارا معاكسا للمسار الذي بدأ مع الحرب، وظهرت أولى علائمه في دخول عسكر إيران إلى سورية، قبل الثورة ضد الأسد.
كانت إيران أول الداخلين إلى سورية، ويبدو أنها ستكون أول الخارجين منها، إلا إذا قرّرت خوض الحرب، فإنها ستكون أول الخاسرين وأكبرهم، ويرجح أن لا يعود معظم جنودها أحياء إليها، بعد أن صار تخلي روسيا عن طهران مسألة وقت، بسبب تصنيف الحرس الثوري "تنظيما إرهابيا"، ورفع الغطاء الأميركي عنه، واستحالة أن تبقى إيران شريكا في حل دولي، وأن تتراجع روسيا عن الصراع معه حول تقاسم الغنيمة السورية، ما دامت تستطيع عقد صفقةٍ مع واشنطن ضده، تنال ثقة البيت الأبيض من خلالها، بقدر ما تساعد على إخراج طهران من سورية، وتكبح تموضعها في مؤسساتها المدنية والعسكرية، وتحد من انتشارها المسلح على الأرض السورية.
بما أن واشنطن توافق على بقاء الجيش الروسي في سورية، وتخطط لإخراج إيران منها، فإن سياسات الدولتين ستستهدف تضييق هوامش حركة بشار الأسد الذي تهافت نظامه، وخرج من يده، ولا يجد ما يحسن به وضعه غير اللعب على التباينات الروسية الإيرانية، عله يتحرّر من القتل بيد روسية إن انحاز لإيران، وبيد إيرانية إن حسم أمره ووقف إلى جانب روسيا، بينما تخدم المنافسة الإيرانية موسكو، لأنها تسهل تفاهمها مع واشنطن على حل غدا مصلحةً روسيةً عليا، لن تترك حصة وازنة فيه لطهران، لمكافأة واشنطن على قبولها بقاء الجيش الروسي في سورية، ودعم قرار البيت الأبيض تغيير سياسة إيران، وإلا فتقويض لحضورها خارج حدودها، عبر مواجهاتٍ، إن كانت أميركية لن تكلف الكرملين شيئا أو تبدل وضعه السوري الراهن، أو تقلص فرص تفاهمه مع البيت الأبيض على الحل، بعد ترتيبه علاقات تركيا الكردية، وإخراج إيران حرسها من سورية، وصولا إلى تطبيق القرار 2254، الذي لن يحول دونه غير فشلهما تجاه إيران، وهو شبه مستحيل، بالنظر إلى عدم وجود مصلحة لموسكو في إفشال أميركا، أو في انسحابها المبكر من شرق الفرات، أو إخفاقها في طرد الإيرانيين والأسد من البوكمال والميادين ودير الزور، وليست لديها رغبة في رفض ما يقرّ به البيت الأبيض لها، وهو عظيم الأهمية في استراتيجيتها، ويتبدّى، في أيامنا، من خلال امتناعها عن إمداد الأسد بمعونات تساعده على التصدي لأزماته الداخلية، بينما يعبر دعمها واشنطن في موقفها من إيران عن موافقتها على إخراج طهران من سورية، ما دام خروجها يخدم هدف روسيا المباشر من غزو سورية.
لن تفيد إيران "ممانعتها"، فالخيارات أمامها واضحة: الخروج من البلدان المجاورة بدءا بسورية، مقابل الاعتراف بمصالحها غير الأمنية والمذهبية فيها، أو مواجهة خياراتٍ أخرى ستكون مدمرة، وإن اقتصرت على حصار اقتصادي، تضعها حاليا أمام حقيقة أن من مصلحتها التظاهر بقبول ما ستنصاع له بالقوة، والتراجع عن سياساتها التوسعية في جوارها، بما يجود به خيال حكامها من حجج وأكاذيب لطالما برعوا في تدبيجها، وبيعها لشعوبهم انتصارات على أعدائها!
كان الحرس الثوري أول الداخلين إلى سورية، وسيكون أول الخارجين منها، فهل سيخرج بقرار عقلاني يجسد إدراك طهران لما في واقعها من ضعف، أم أنه سيخرج من دون توابيت خشبية، لأنه يرجّح أن لا يكون في خزينتها "الإمبراطورية" ما يكفي من مال لشرائها.
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.