كراتين السيسي وكراتين الإخوان

كراتين السيسي وكراتين الإخوان

23 ابريل 2019
+ الخط -
هل هناك فارق بين من يوزّع الكراتين قبل الانتخابات ليحصل على الأصوات، بشكل واضح، وصريح، وفج، ومباشر، ومن يوزّعها، جزءا من عمل خيري، ثم يرسل الشخص نفسه الذي يحمل كراتين المساعدة طوال العام، ليوزّع دعاية الانتخابات، ولسان الحال يقول أعطيناكم لله، فانتخبونا لله؟ مهلاً، لا أحاول إقناعك بأن كراتين عبدالفتاح السيسي مثل كراتين الإخوان المسلمين، وأنهما سواء في رشوة الناخب، وإنما أحاول الوصول إلى ما هو "أنيل"! 
إقرار التعديلات الدستورية في مصر يأخذنا إلى ثلاث نتائج، أهونها على الإطلاق بقاء السيسي في الحكم حتى عام 2030. الأخطر هو سيطرته على القضاء، ومنح الشرعية الدستورية والقانونية لأي انقلاب عسكري على أي رئيس متوقع بعده، إن كان هناك حياة بعد السيسي.
الآن، أنت تسأل باستنكار: وهل يحتاج السيسي إلى السيطرة على القضاء؟ هو يسيطر عليه بالفعل، القضاء مسيس، الأحكام بالتليفون، الإعدام وفقا للهوى والكيف والمزاج. هنا تحديدا بيت القصيد، وموطن الشاهد. والتشابه الواضح والمزعج والمربك بين كراتين السيسي وكراتين الإخوان، كلاهما يحمل البضاعة نفسها، المواد التموينية نفسها، الصراع نفسه على استغفال الناس وتصدير الوهم. المعلومة الخاطئة تقود، بالضرورة، إلى نتائج خاطئة. الفارق أن السيسي ودولته يعرفان جيداً ماذا يريدان من التضليل، فيما يفعلها الإخوان على سبيل الاحتياط، فالأفضل ألا يفهم الناس، لأنهم لو فهموا لن يكون لقيادات الجماعة دور حتى داخل بيوتهم.
ليس القضاء المسيّس قدراً، والقاضي المسيس لا يتلقى أحكامه عبر التليفون، والنظام لا يسيطر على السلطة القضائية بهذا الشكل الساذج والمباشر. القضاء سلطة، ولا أحد يتخلى عن سلطته مجّاناً. حين يريد النظام حكما يتناسب مع توجهاته، يختار تحويل القضية إلى قاضٍ يتوافق مع هذه التوجهات. لو ركّزت قليلاً لاكتشفت أن أغلب قضايا الإعدامات تنحصر في قضاةٍ بأعينهم. يعبّرون عن قناعاتهم من خلال أحكامه، والمبرّر الأخلاقي متوفر، فالقاضي يحكمه الورق، والورق مهمة الداخلية، والنيابة، وهذه أجهزة أخرى وحكاية أخرى. لم يزل في القضاء أمل، مساحةٌ للتنفيس، ثغرة. هذه الثغرة يريد السيسي سدّها، يساعده بعض المصريين بالتأييد، ويساعده المقاطعون بإراحته من أكبر كتلة تصويتية يمكن أن تقف في حلقه، وتعطّل له مراكب الطغيان السائرة، وتستغل بدورها مساحات الصراع والتنافس داخل أجهزة الدولة، لحرمانه من توسيع جديد لسلطاته.
الغريب أن خدمات المقاطعة المجانية جرى تقديمها لجموع المحتقنين تحت دعاوى إحراج السيسي بالمقاطعة والموقف المبدئي الذي يقتضي التمسّك بشرعية الرئيس المعزول، محمد مرسي، وعدم الاعتراف بأي استحقاقاتٍ انتخابيةٍ تلتف حول شرعيته، فإذا بها تمنح السيسي وكل سيسي شرعية لعزل مرسي وكل مرسي، وهذه المرة بالدستور والقانون. هنيئاً لدببة الشرعية الذين قتلوا أصحابهم، عن غير قصد، أو بقصد، ونحن لا ندري.
النصيحة هنا أن يتوقف تجار اللامبالاة السياسية عن التعامل مع النظام التركي الذي أنتجه الانقلاب الأتاتوركي على الخلافة الشرعية، وربما نمد الخط الوعظي المبادئي على استقامته إلى الخلف، حتى نصل إلى علي ومعاوية والحسين ويزيد، لا بشكل أخلاقي، أو حتى ديني، بل بشكل سياسي محض، ونتوقف عن التعامل مع خيالاتنا التي أنتجتها سياسات الحاكم المتغلب، ونؤسس، بشكل رسمي، لتشيع سياسي جديد، تتوفر له كل مقوماته من المظلومية والدماء والإمام الغائب عجل الله فرجه..
المعلومات قليلة، شحيحة، غائمة، مضبّبة، مزوّرة، والتحليلات السياسية تستند إلى فلتات اللسان وتسريبات الحيطان، والمصادر المجهلة، ودراسات الخواجات ومقالاتهم. لا يوجد شيء متماسك في الحياة السياسية المصرية، أو العربية. ولا يمكنك أن تبني يقيناً سياسياً فوق الماء. لا يمكنك أن تزعم إن خيار المقاطعة مبدئي، ولا يمكنك أن تزعم أن خيار المشاركة بالرفض فعال. ولكن يمكنك أن تحاول، فالمحاولة أشرف من الكراتين، هذا الكلام للمستقبل، إن كان هناك مستقبل.