التطرف الراديكالي والدولة المدنية

نعاني اليوم من مواقف راديكالية متطرفة، تطلق هنا وهناك مواقف تعيق تطلعاتنا في الدولة المدنية التي تستوعب الجميع، ونعني بذلك النزوع إلى إحداث تغييرات متطرفة تخدم أفكارا ومشاريع جاهزة. أشخاص راديكاليون متعصبون لأفكارهم وتوجهاتهم، خدمة لمشاريعهم من دون مراعاة لقناعات الآخرين ورؤاهم واختياراتهم، وإن دعا بعضهم إلى الدولة المدنية شعارا، فهو يرفضها تطرفاً.

هذا النوع من البشر لا يعي مفهوم الشراكة الحقيقية، فالشراكة لديه أن تكون تابعاً وخانعاً، وأن تقدم الطاعة لمزاجه السياسي، فعندما يدعو إلى الحوار، إنما يدعوك لتشرع له ما يريد، يدعوك لتكون مجرد ديكور في طاولة يديرها بمزاجه، لا أفكار تتبلور فيها، ولا حجج تتنافس، يحاورك ويده على الزناد، وفي لحظة طيش وتهور يمكن أن يفجر دماغك. كيف يستقيم الحديث عن الدولة المدنية في ظل صراخ وعويل التخلف والعبث والبذاءة والرداءة، فعندما تكثر مشاهد النصب والاحتيال، نكون في لحظة انحطاط وتعصب مقيت، لحظة تشكل خطرا على العقول.
هذا الشعب المسكين في هذا الوطن المكلوم يعاني من هذا التعصب الراديكالي، فهؤلاء يعيقون تطلعات الدولة المدنية، يوصّفون المشكلة أنها طائفية، يحرضون ويحشدون لحلهم السحري، دولة الخلافة أو الإمامة. وهم يدّعون أنهم يقاتلون من أجل الدين، وكلهم يعبدون الله بطريقتهم ويكبرون له بطريقتهم، وهم يسفكون دم المسلم.
هذه المشاريع الصغيرة هي مشاريع تجزئة الجغرافيا، هم هنا يوصّفون المشكلة أنها مناطقية: شمال، جنوب، شرق، غرب. وذلك بالعقلية نفسها والجرثومة الطاغية والتسيد والهيمنة على السلطة والثروة، وفي تنافس حميم على الفساد والبسط والسطو والنهب، ولهم مركز التخلف نفسه والعصبية التي تسطو وتسيطر لتعبث بالمدنية ومراكز التنوير والوعي، وها هي عدن وصنعاء وتعز تعاني من هذه السطوة.
لا يوجد حل إلا عبر تعميم الوعي الاجتماعي والوطني والإنساني، الوعي الداعم للدولة المدنية، والذي يجتث جرثومة التخلف والعصبية. علينا أن نؤسس بوعيٍ لوطن يلبي قناعات الجميع من دون استثناء، وديمقراطية ونظام وقانون يضبط إيقاع الحياة من دون تعصب، وبما يتيح المجال لحرية الاختيار للجميع بصندوق انتخاب واستفتاء، ليقرّر الشعب مصيره من دون تعصب، فالمتعصبون يعتبرون ذلك ضرباً من الخيال والمثالية.