مصر.. المشاركة في الاستفتاء أو المقاطعة؟

مصر.. المشاركة في الاستفتاء أو المقاطعة؟

21 ابريل 2019
+ الخط -
منذ بدء اهتمامي بالعمل العام والأنشطة والقضايا ذات الطابع السياسي، وأنا أسمع الجدال نفسه في كل مناسبة، مشاركة أم مقاطعة. كان هناك الجدل نفسه عام 2005 قبل الاستفتاء على تعديل الدستور، ثم في أثناء الانتخابات الرئاسية في العام نفسه، ثم تكرر عام 2007 ثم في 2010 ثم في 2011 ثم في 2012 ثم في 2014. تنقسم القوى السياسية والنشطاء والمجموعات إلى فريقين: واحد يرى أن القواعد غير عادلة، وأنه يجب المقاطعة للانتخابات أو الاستفتاء لنزع الشرعية، ولتعرية النظام أمام النظام العالمي والمجتمع الدولي، وثانٍ يرى ضرورة المشاركة، حتى لو كانت قواعد اللعبة غير عادلة، أو في حالة انعدام تكافؤ الفرص، لعرض وجهات النظر، فالمقاطعة تعني السلبية، وتضيّع فرصا كثيرة تسمح بها المشاركة، مثل فرصة التواصل مع الجمهور، وفرصة إمكانية بناء قواعد جديدة.
والطريف أن المقاعد تبدلت بشكل كبير، فعلى سبيل المثال يمكن القول إنه في معظم الاستحقاقات السابقة كانت القوى الراديكالية والشبابية من دعاة المقاطعة وعدم المشاركة في الاستحقاقات التي يقرّها نظام حسني مبارك، في حين كانت جماعة الإخوان المسلمين تشارك في الاستحقاقات الانتخابية، وتحاول الاستفادة من كل الفرص المتاحة، حتى لو كانت قليلة. الآن يحدث العكس، فجماعة الإخوان على موقفها نفسه بعدم الاعتراف بشرعية كل ما هو بعد 3 يوليو/ تموز 2013، ولا تراجع عن المطالبة بعودة الرئيس المعزول محمد مرسي، أولا قبل كل شيء، في حين أن معظم المجموعات الأخرى المحسوبة على ثورة يناير، ولا تزال رافضة مسار ما بعد "3 يوليو" هي التي تدعو الآن إلى المشاركة بـ لا، وليس المقاطعة. ولكن هل فعلا المقاطعة هي الإجراء الصحيح في الاستفتاء المصنوع؟
يجب المشاركة والتصويت بـ"لا"، على الرغم من كل ما شوهد من مظاهر التزوير الفج في
 الاستحقاقات السابقة في عهد عبد الفتاح السيسي. ولكن ربما تكون المشاركة، وربما تساهم المشاركة في زيادة صعوبة التزوير، أو على الأقل رصْد مظاهر التزوير وتوثيقها للمستقبل، بالإضافة إلى أن المشاركة والتصويت بـ لا سيكون لهما صدى كبير لدى السلطة التي ستدرك حجم الرفض الحقيقي، حتى وإن زوّرت في النتيجة أمام العالم.
يرى بعض الزملاء والأصدقاء من أنصار المقاطعة أنه يجب حرمان النظام من "اللقطة" التي تريدها السلطة أن يكون هناك زحام أمام اللجان، ليتم إيهام العالم ووسائل الإعلام الغربية بأن هناك مشاركة حقيقية، ورغبة شعبية في تعديل الدستور. ولكن يجب ألا يُنسى أن هذه اللقطة سيتم تنفيذها، على الرغم من المقاطعة، وجميعنا شاهد استخدام الموظفين والعمال وإجبار الناس على المشاركة بالقوة في الانتخابات الرئاسية في العام الماضي. ولذلك لن تكون المقاطعة مجدية، ولن تحرمهم من تلك اللقطة.
يرى بعضهم أن المقاطعة ستحرجهم دوليا، أو ستنزع شرعية نظام الحكم، على الرغم من أن العلاقات الدولية تحكمها المصالح الاقتصادية والجيوسياسية في الأساس، بالإضافة إلى وجود شرعية فعلية للنظام الحاكم في مصر، ليست بالطبع شرعية الانتخابات والصندوق، ولا شرعية العقد الاجتماعي، ولا شرعية مستمدة من تأييد شعبي، وإنما هي شرعية القوة والبطش والوضع القائم. وهذا ما يجعل الغرب والشرق يعترف بوجوده، ويتعامل معه بوصفه نظاما كامل الشرعية، حتى لو كانت شرعيته منقوصة ومهدّدة، طبقا للأعراف والمواثيق الدولية. وبالتالي لن تنتقص المقاطعة من شرعية نظام الحكم، ولن تزيد المشاركة والتصويت بـ لا من شرعيته، ولن يتعرّى أمام القوى الدولية، ولن يتم إحراج السلطة إن كان هناك مقاطعة، لأن القوى الدولية تدرك طبيعة النظام السياسي في مصر وتتغاضى عن ذلك من أجل المصالح. ولكن ما الفرصة التي يراها دعاة المشاركة والتصويت بـ لا؟
لا توجد فرصة، فهو استفتاء محسوم مسبقا، ومعركة غير متكافئة، ولا ضمانات تمنع التزوير، 
وليست هناك حرية لعرض الأفكار، أو النقاش حول التعديلات المطروحة، ولكن دعاة المشاركة والتصويت بـ لا يزعمون أن هناك كتلة ضخمة ستذهب مجبرة إلى صناديق الاقتراع، الموظفون والبسطاء ومَن يُساقون بالقهر إلى اللجان، ومن يضطر إلى الذهاب إلى صناديق الاقتراع، من أجل الفوز بجنيهات قليلة، وبكرتونة السلع الغذائية رشوة انتخابية. ولذلك سيكون من المكسب أن يكون هناك فعل لإقناع البسطاء بالتصويت بـ لا، حتى لو تم تزوير النتيجة، وأن تتم دعوة المحايدين للتصويت بـ لا، حتى لو تم استغلال نزولهم ووقوفهم أمام اللجان.
هي آراء واجتهادات ومحاولات، فعلى الرغم من وجود أصوات ترى المشاركة في الاستفتاء جريمة وخيانة، ترى أصوات أخرى أن المشاركة محاولة جديدة لن تضر كثيرا، ولكن قد تؤدي إلى توجيه مجهود بعض القطاعات الرافضة فعلا ما، بدلا من اللاشيء، فلا فائدة من دعوة جمهورٍ غير مكترثٍ ألا يكترث، ولكن ربما يؤدي بعض الحماس لتشجيع أفراد آخرين يتجنبون المشاركة في التظاهرات، ويخافون من عواقب إعلان الرفض التام والفعل الثوري.
DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017