الحكومة الفلسطينية.. أيّ صلاحيات وأيّ جديد؟

الحكومة الفلسطينية.. أيّ صلاحيات وأيّ جديد؟

21 ابريل 2019

عباس واشتية ووزراء الحكومة الفلسطينية في الصورة التذكارية (13/4/2019/الأناضول)

+ الخط -
بداية، الحديث عن حكومة ورئيس حكومة وحتى رئيس في السلطة الفلسطينية مجازي. هي سلطة بلا سلطة، كما يقول أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، صائب عريقات، دائماً، إذ لا يستطيع الرئيس محمود عباس نفسه أن يتحرّك وينتقل من مكان إلى مكان من دون تصريح من مستوطنة بنيامين، حسب تعبيره الحرفي.
منهجياً؛ لا بد أن ينطلق تقييم الحكومة الفلسطينية الجديدة، برئاسة محمد اشتية، من النقطة السابقة. نحن أمام سلطة عاجزة وبدون سلطة فعلية في مناحي الحياة المختلفة، ما تقوم به فعلاً هو دور الزبال والدركي ومفتش الصحة، وهذا كان أحد أسباب قبول ملك الأردن الراحل حسين بن طلال قرار القمة العربية، في الرباط عام 1974، اعتبار منظمة التحرير ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني. قال إنه بعد مرور سبع سنوات على نكبة حزيران (1967)، لم تعرض إسرائيل عليه سوى دور الزبال والدركي ومفتش الصحة.
تتعلق النقطة المنهجية الثانية بطبيعة النظام السياسي الفلسطيني. وهنا أيضاً نتحدّث مجازاً عن نظام رئاسي، وكما في الجمهوريات؛ السلطات المستبدة والملكيات غير الدستورية، فإن رئيس الوزراء لا يملك سلطاتٍ جدية وجوهرية، هو منفذ لسياسات الرئيس أو الملك في أحسن الأحوال، كيس ملاكمة في أسوأها، يتلقى الانتقادات والاعتراضات نيابةً عن الرئيس.
ولا بأس من التذكير بتجربة محمود عباس نفسه، عندما كان رئيس وزراء، إذ رفض أن يكون من دون صلاحيات جدّية، على الرغم من أن الرئيس كان ياسر عرفات، بكل ما يحمله من رمزية شعبية وكاريزما، رفض عن حق حضور الاجتماعات العامة الفولكلورية تحت مسمّى القيادة الفلسطينية، التي كانت تضم أعضاء الحكومة واللجنة التنفيذية للمنظمة واللجنة المركزية لحركة فتح وشخصيات سياسية أخرى، اعتبر ذلك عن حق متعارضاً مع حكم المؤسسات والإدارة الصحيحة، لكنه الآن يفعل الشيء نفسه، يعقد الاجتماعات نفسها، بالمسمّى نفسه، 
بحضور ثلاثين أو أربعين شخصاً، حيث لا يمكن فيها نقاش أي شيء بشكل منهجي منظم، ويرفض، من جهة أخرى، أن يعطي رؤساء الوزراء صلاحيات جدية. وإنما يتعامل معهم، باعتبارهم موظفين منفذين لسياساته. وهذا كان سبب صدامه وصدام حركة فتح مع رئيس الوزراء سلام فياض، الذي أصرّ على احترام نفسه، واحترام المنصب، وتنفيذ رؤيته الخاصة، المفترض أنها لا تتعارض مع السياسات العامة لقيادة السلطة الوطنية ومنظمة التحرير، فالأولى مكلفة إدارة حياة الناس وشؤونهم، والثانية للملفات السياسية، بينما يتحكّم أبو مازن الآن بكل السلطات وكل التفاصيل، كما رأى الجميع بشأن رواتب الموظفين أو العقوبات على قطاع غزة، وطبعاً تعيينات الوزراء وكبار الموظفين. وحدث مرة أنّ الحسم في قضية رواتب موظفي غزة تأخر إلى أن يعود سيادته من السفر، علماً أنه يقضي نصف السنة تقريباً خارج فلسطين المحتلة.
تتعلق النقطة المنهجية الثالثة بقرار إقالة الحكومة السابقة، حكومة رامي الحمد الله التوافقية، وتكليف محمد اشتية بتشكيل حكومة جديدة. كان قرار الإقالة بمثابة تعبير عن فشل عملية المصالحة، على افتراض أن الحكومة كانت توافقية، وشكلت بناءً على أساس اتفاق الشاطئ عام 2014 لإنهاء الانقسام. والحكومة الجديدة حزبية فصائلية، وبالتأكيد تعني القطع مع المصالحة، هي تكريس للانقسام والانفصال بين الضفة الغربية وغزة، وحتى تأبيد له، وستشجع حركة حماس على إعادة لجنتها الإدارية، وربما تشكيل إطار جديد لإدارة غزة.
لا يمكن قراءة حكومة محمد اشتية، إلا ضمن المحدّدات والأسس السابقة. وإضافة إلى ذلك ثمّة تفاصيل مهمة، فنحن أمام خداع، أو استخفاف بذكاء الشعب الفلسطيني. يزعم اشتية أنها حكومة الكل الفلسطيني، على الرغم من أنها حكومة حركة فتح، وحتى حكومة الرئيس، مع أن عضو اللجنة المركزية للحركة جمال محيسن، أقر علناً بأن قرارات المركزية والمجلس الثوري للحركة لا يُعتدّ بها، كما أن الفصائل الرئيسية الأربعة؛ حركتي حماس والجهاد الإسلامي والجبهتين الشعبية والديمقراطية، رفضت المشاركة فيها، بينما قبلت ذلك فصائل صغيرة، وتحت ضغط الإغراء والابتزاز، وهي لا تحظى أصلاً بشعبية أو حضور في الشارع، مع احترام تاريخها النضالي.
لا شيء يثير الغضب أكثر من الحديث عن حقائب سيادية، طالبت فيها "فتح" في سلطة هي 
أصلاً بلا سلطة. ولكن يمكن الحديث مجازاً أيضاً عن حقائب أساسية أو مركزية، واضح أن لا تغيير فيها، وبقيت على حالها، تحديداً الخارجية والمالية التي تتبع الرئيس عباس مباشرة، وتديرها شخصياتٌ مستقلةٌ تأتمر بأمره، بينما احتفظ اشتية لنفسه بحقيبتي الأوقاف والداخلية بعد أسابيع من المشاورات تمهيداً ربما لعودة محمود الهباش المكروه فتحاوياً وجماهيرياً إلى الأولى، أو لإغراء فصيل وشخصية معارضة بها للمشاركة في الحكومة. أما طرح اسم الحاج إسماعيل للداخلية، فيكاد يختصر كل شيء، هو صاحب الوقائع المتداولة والشهيرة في لبنان وفلسطين، وسبعيني أيضاً وجزء من الطبقة السياسية الهرمة المترهلة التي كان يجب أن تغادر إلى التقاعد. هذا من دون أن نتحدث عن المحاسبة والعقاب عن الأخطاء والخطايا، من الجنوب اللبناني إلى أوسلو، وعن فشل السلطة المتعدّد المستويات والأبعاد.
في التفاصيل، الحديث عن التجديد مجازي أيضاً ومبالغ فيه، لكون معظم الوجوه جديدة قديمة. التغيير في أفضل الأحوال كميٌّ وليس نوعاً. يمكن فقط الإشارة إلى استبدال وزير التعليم الشاب الحيوي بآخر ستيني، كما إلى العدد الكبير للوزراء، وهم 24، في سلطةٍ بلا سلطة تعاني ظروفاً مالية صعبة، ربما تعاني أكثر في المرحلة المقبلة، حسب التعبير الحرفي للرئيس عباس.
جاء البيان الوزاري تقليدياً جداً. وباستثناء الحديث عن المصالحة، على الرغم من أن تشكيل الحكومة نفسه يعني القطع معها، وإعلان وفاتها، فلا جديد يُذكر، بل تكرار لبيانات الحكومات السابقة. وعموماً لا بشرى من حكومة الجزء الفلسطيني التي ستكرس الانقسام. وحتماً لن تكون قادرةً على مواجهة "صفقة القرن"، أو أي تحديات أخرى. ببساطةٍ، هي تعبير عن هيمنة الرئيس عباس وتحكمه بكل السلطات، كما عن الواقع الفلسطيني السيئ والمنقسم، في أحسن الأحوال، هي بمثابة إضافة ماء نقي إلى الحساء الفاسد.