الخليج وثقب الفساد المصري الأسود

الخليج وثقب الفساد المصري الأسود

03 ابريل 2019
+ الخط -
لطالما كان مصير الأموال والمساعدات والقروض التي تتلقاها مصر موضع تساؤل جهاتٍ كثيرة؛ منها أبناء الشعب المصري الذي عادة ما لا يصل إليه حتى النزر اليسير منها، وكذلك المنظمات الدولية والدائنون، علاوة على المراقبين. ولا تتوقف مأساة الشعب المصري في مجرّد أنه ليس لها أثر إيجابي مباشر على مستوى معيشته ومستقبل أبنائه، بل تتعدّى ذلك في أن عليه أن يسدد القروض وفوائدها من جيبه الخاص، كما سيورّث أبناءه ديوناً يتمتع بها فاسدون ويُحرم هو منها. وبسبب هذا الفساد، وصل الأمر، أخيراً، بالمانحين، ولا سيما دولة الإمارات، إلى مطالبة النظام المصري بـ"حُسن إدارة البلاد" جواباً على مطالبه لها بمزيدٍ من الأموال.
على الرغم من المساعدات الضخمة، النقدية والعينية، التي تأتي على شكل نفط وغاز، والتي تلقاها نظام الرئيس المصري، عبد الفتاح السياسي، منذ انقلابه ووصوله إلى السلطة، إلا أنه يداوم على المطالبة بمزيد منها، معتقداً أن له حصة في ثروة دول الخليج التي يَعتبِر أن لديها أموالاً طائلةً، صرح بأنها لكثرتها "زي الرز". ووصل به الأمر به، وبسبب صدود دول الخليج، أنه بات يبتزّ هذه الدول، مسرّباً تقارير تتحدث عن موقفها من ثورة 23 يناير، ودورها في وأدها، وإدارتها أذرعاً قامت بأعمال تخريبٍ في أثناء الثورة وبعد انتصارها وخلال فترة رئاسة الرئيس المعزول محمد مرسي. وإذا أراد هذا الرئيس المضي في سبيل ابتزازٍ من هذا النوع، ربما ستستفيق هذه الدول على حقيقة أنها أودعت أموالها الجهة الخطأ، من أجل القضاء على ثورةٍ، ربما لو تركوها تخط طريق تطورّها لانعكس ذلك إيجابياً على موقف هذه الدول وموقعها، إضافة إلى مدّها بعوامل قوة ليس أقلها تكرُّس مصر دولةً مستقرةً تتبع طريق تطوُّرٍ حقيقيٍّ، لا دولة هواةٍ يجلبون لها وجع الرأس، وحسب.
ربما كان في ظن دول الخليج التي قدمت 65 مليار دولار إلى نظام السيسي، من أجل 
مساعدته على الوقوف على قدميه، وفرض سلطته عبرها، للتعويض عن شرعيةٍ هو فاقدها، أن هذه الأموال ستجد طريقها لتمويل برامج إصلاح اقتصادي، تنتشل المصريين من الفقر والجوع، وتوقف تدهور الاقتصاد المصري، فتسند ظهر النظام في وجه المشككين بإصلاحاته وإنجازاته، وغيرهم ممن يتحدّثون عن فشلٍ أحْدَثه، بينما كانت وعوده الإصلاحية صك براءة توسَّلَه، خصوصاً بعد انقلابه على الرئيس محمد مرسي وقمعه معارضي انقلابه. وقد لجأت إلى هذا الدعم، بسبب خوفها من أن تكرّس الثورة نظاماً ثورياً ديمقراطياً يكون منارةً ودافعاً لشعوبٍ أخرى، لكي تثور على أنظمةٍ فاسدةٍ، إضافة إلى خوفها من نجاح حكمٍ إسلامي يسلب السعودية، على سبيل المثال، مركزية القرار الإسلامي.
تبخّرت تلك الأموال، وكأن ثقباً أسود قد ابتلعها، ما جعل وعود النظام تتراكم وتتراكم، من دون أن يتحقق أيٌّ منها. وزاد ذلك من اهتزاز صورته، وأحرج الدول الداعمة له، وزاد في ورطتها واحتمال أن يدفعها هذا النظام إلى الثقب الذي ابتلع أموالها، عبر اتهامها بما اقترفت يداه من مآسٍ بحق البلاد، حين جعلَ الآخرين يتحكّمون بحياة المصريين ومصيرهم. ولم تنطلق هذه الدول في مساعداتها لمصر من منطلق استراتيجي، يرى في تلك الأموال عاملاً يدفع في تطور الاقتصاد المصري وتقويته، وتحسين مستوى معيشة الشعب، من أجل إيصال البلاد إلى مرحلةٍ تستغني فيها عن هذه المساعدات. كما أن غياب النيات الحسنة، يثبته غياب اشتراطاتٍ شبيهةٍ بما يفرضه صندوق النقد والبنك الدوليان لدى إقراضهما دولة ما، اشتراطات تحصر سلوك هذه المساعدات مساراً تكون التنمية أولى ثماره. بل كانت المساعدات عاملاً هدَّاماً جعل النظام، وربما الاقتصاد، يعتمدان عليها، لا على التطور والتنمية، وباتت بمثابة الهواء، إن انقطعت هذه المساعدات انقطع الهواء واختنق النظام، ولذلك نراه هنا يتجه إلى الابتزاز للحصول على المزيد لكي يستمر بالعيش.
والكلام عن تبخُّر أموال المانحين ليس من سَوق معارضي النظام، كما قد يتبادر إلى الذهن، بل تثبته وقائع ما وصلت إليه حال المواطن المصري من سوء، كما تثبته حال اقتصاد البلاد، والذي تباطأ نموه، منذ سنة 2013، كما ذكر تقرير حول التنمية أصدرته الأمم المتحدة سنة 2015، قالت فيه إن مصر كانت أكثر دولة تتلقى مساعدات تنموية سنة 2013. ومع ذلك، لم تنعكس هذه المساعدات تحسّناً في مستوى معيشة المواطنين، بل ازدادت أسعار الوقود، وخفضت الحكومة الدعم عن بعض السلع الأساسية. أما هذه الأيام، فتفيد الوقائع بأن الاقتصاد المصري ليس في مرحلة تباطؤ، كما كان في تلك الفترة، بل دخل مرحلة التدهور، وفق ما تدل عليه مؤشرات البطالة، وبسبب ارتفاع معدلات التضخم، نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار في مقابل الجنيه المصري إلى مستوى قياسي.
وبالنسبة لمصير تلك الأموال والمساعدات، دائماً ما يخرج خبراء اقتصاديون مصريون 
يتحدثون عما يدخل منها في موازنة الدولة. وفي السنوات الثلاث التي أعقبت الانقلاب، قال خبراء إن نسبة ما دخل من تلك الأموال إلى الموازنة لم تتعدَّ 10%، بينما ذهبت نسبة الـ90% الباقية إلى الجيش الذي تغوَّلَ وسيطر على مشروعات اقتصادية كثيرة، والذي لا يمكن رصد موازنته أو نفقاته. وحتى تلك الـ10% التي قيل إنها دخلت الموازنة لم يُلحظ لها تأثير، ولم تساهم في خفض عجز الموازنة الذي زاد في تلك الفترة، بدلاً من أن ينقص، ما يدل على تبخُّرها هي الأخرى. ويزداد غموض مصير تلك الأموال والمساعدات مع عدم إفصاح الدول الخليجية عن حجمها.
يبدو أن دول الخليج لا تعرف، كما أنها لم تدرك، خلال تعاملها مع النظام المصري، ودعمها الدائم له، أن نظاماً ليس لديه ما يقدمه إلى شعبه والبلاد التي يحكمها، لا يفعل شيئاً سوى الأخذ. وقد اعتاد هذا النظام على الأخذ من دون شكر، بل يأخذ ويحسد المانح، في الوقت نفسه، على "الرز" الذي لديه. وكما لم يتعلموا من تجربتهم مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يأخذ، ثم يعود ليبتزّهم في أمنهم من أجل المزيد، تراهم لا يتعلمون من تجربتهم مع السيسي الذي يأخذ ثم يبتزهم في ملفات أمنية من أجل المزيد أيضاً.
46A94F74-0E6B-4FEC-BFDA-803FB7C9ADA6
مالك ونوس

كاتب ومترجم سوري، نشر ترجمات ومقالات في صحف ودوريات سورية ولبنانية وخليجية، نقل إلى العربية كتاب "غزة حافظوا على إنسانيتكم" للمتضامن الدولي فيتوريو أريغوني، وصدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.