الوزيرة الشاعرة روضة الحاج

الوزيرة الشاعرة روضة الحاج

16 ابريل 2019
+ الخط -
أحرزت الشاعرة السودانية، روضة الحاج (1969)، في السنوات العشر الماضية، لاسمها مقداراً ظاهراً من الذيوع، في بلدها وفي غير بلد عربي، سيما وأنها شاركت في منافساتٍ شعرية وأنشطة ثقافية في الإمارات ولبنان والسعودية وقطر والأردن والمغرب وسورية وغيرها، ونالت جوائز ودروع تكريم وتقدير. وساهم في بعض شهرتها أن إطلالتها الأولى كانت تلفزيونيةً، في مسابقة "أمير الشعراء" على قناة أبوظبي. ولكن ذلك كله، مضافاً إليه إصدارها خمس مجموعات شعرية، لم يعن أن قصائدها توفرت على قيمةٍ إبداعيةٍ لافتة، ومثّلت إضافةً في المتن الشعري السوداني الراهن، وإنما غالباً ما بقيت نصوصُها تدور في فضاء نسوي تقليدي، ساذج أحياناً، عدا عن النثرية السائبة، والكسور النافرة في الأوزان، والانشغال بتهويمات وجدانية، وإنْ أصابت هذه النصوص بعض تحسنٍّ تجاوزت فيه روضة الحاج (وهي إعلامية) الضعف في قصيدتها التي قرأتها في المسابقة التلفزيونية، ولم تيسّر لها اللقب المتنافَس عليه، لكن مجاملين خلعوا عليها لقبا متزيّدا، "أميرة الشعراء"، قبل أن تصبح أول امرأة تُنافس على لقب شاعرة سوق عكاظ وتفوز به، في العربية السعودية، في العام 2012.
لم يُؤثَر عن السيدة روضة الحاج أنها أبدَت موقفا في الجاري في بلدها، بل أبعدت نفسَها عن أي ضفةٍ سياسية، ولم تكترث بتفاصيل حزبيةٍ وصراعاتٍ سياسيةٍ وتأزّمٍ اجتماعيٍّ يتصاعد، حتى إذا اختارها الرئيس عمر البشير عضوا في البرلمان، من 2014 إلى 2016، شاع أنها محسوبةٌ على حزب المؤتمر الوطني (الحاكم)، وقد جعلها هذا الموقع أكثر اتصالا بالشأن العام، سيما وقد صارت نائب رئيس لجنة الثقافة والإعلام والشباب والرياضة في البرلمان، ما منحها "فضاءً جديداً للمعرفة والتجربة"، كما قالت.
اندلع حراكٌ شعبيٌّ سودانيٌّ واسعٌ ضد السلطة قبل أربعة شهور، وخاضت في شأنه فاعلياتٌ ناشطةٌ في المجموع الإعلامي والثقافي في البلاد، وبرزت وجوهٌ شبابيةٌ ومخضرمةٌ في هذه الغضون، انحازت إلى حشود المحتجين، مطالبةً بالتخلص من نظام البشير الفاشل. لم يُنقل عن شاعرة سوق عكاظ ما يدلّ على خيارها. آثرت الصمت، أو على الأصح التواطؤ مع السلطة. حتى إذا أجرى البشير تعديلاً وزارياً، في الأول من إبريل/ نيسان الحالي، صودف اسمُها فيه وزيرةً للثقافة والسياحة والآثار، قرأنا تالياً أن ذلك جاء بعد اعتذار الأمين العام السابق للمجلس القومي لرعاية الثقافة والفنون، السموأل خلف الله (1960)، فصارت أول امرأةٍ في السودان تتولى هذه الوزارة، ولكنها لم تُمض فيها سوى عشرة أيام، إذ تم خلع البشير وحكومته وحزبه من السلطة في الانقلاب العسكري الراهن. وإذا صحّ أنها فوجئت، بينما كانت تشارك في أمسيةٍ شعريةٍ في البحرين، بتعيينها وزيرةً، فالمؤكّد أنها سارعت إلى قبول هذا العرض الذي خصم مزيدا من الاعتبار المعنوي لاسمها مثقفةً وشاعرة، يُفترض بها أن تستشعر سوء لحظةٍ كهذه، في أثناء احتقانٍ في البلاد، سقط فيه عشرات السودانيين برصاص الأمن، وهم يتظاهرون محتجّين.
وبعيدا عن التباعد في المنزلة والسويّة بينهما، يذكّر حال روضة الحاج وزيرةً عشرة أيام، في نظامٍ ترنّح ثم هوى، بالناقد المصري، داعية التنوير من النوع الممالئ للسلطة، جابر عصفور، لمّا ارتضى أن يكون وزيرا للثقافة في حكومة نظامٍ سقط بعد أيام في غضون ثورة يناير. ومن المصادفات أن يقول عصفور، لاحقا، إنه استقال لسماعه وزيرا في تلك الحكومة يرمي متظاهري الثورة بالبلطجة، وأن تقول روضة الحاج، قبل أربعة أيام من خلع البشير، إن الجاري في الشارع السوداني رسالةٌ قويةٌ وقاسيةٌ، يجب استيعابُها، وفهم ما يرغب به الأبناء، وتجنيب البلاد المنزلقات الخطيرة. وقد بدت هذه الكلمات لترضية الذات، وليس استشعارا لانتحار النظام الذي انتسبت الشاعرة إلى حكومته الأخيرة، وهي التي اعتبرت أن المسؤولية التي تولّتها "أمانةٌ ثقيلةٌ في وقتٍ ثقيل" .. نعم، كان وقتا ثقيلا، لم تقدّر السيدة الشاعرة حساسيته الخاصة، فاستحقّت كثيرا مما رماه بها كثيرون من أبناء بلدها، ومنهم من سألها عن السبب الذي جعلها تسرق الآهة من فم أم الشهيد وتعيدُها إلى عمر البشير.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.