عبثية رهان فلسطيني

عبثية رهان فلسطيني

12 ابريل 2019
+ الخط -
غير مفهوم رهان بعض القيادات الفلسطينية على الانتخابات الإسرائيلية، وإمكانية إحداث تحول دراماتيكي في سياسات الاحتلال، بمجرد تغير المعسكر الحاكم في إسرائيل. والمستفز أكثر رهان بعض القيادات الفلسطينية على إمكانية إحداث تحولاتٍ جذريةٍ في الجمهور الإسرائيلي ومواقفه، من دون امتلاك أي من أدوات التأثير أو أوراق الضغط، وكأن هؤلاء المراهنين على انعطافات في صفوف نخب إسرائيل وجمهورها لا يعتبرون من التاريخ، ولا يرون أبعد من أنوفهم، وهم يزعمون النظر إلى المستقبل. أو كأن من يتوهمون أن "وزير اتصال مع المجتمع الإسرائيلي" سيُحدث اختراقاً في بنية المجتمع، وسيغير سياسات إسرائيل لناحية مصلحة الفلسطينيين، جاهلون كنه هذا الكيان الذي "يمنع أي ديناميكيات تسمح بذلك"، بتعبير المفكر العربي عزمي بشارة.
لا ندري ما هي الخيارات التي سيذهب إليها الفلسطينيون، أو من يزعم تمثيلهم من سلطة ومنظمة وفصائل ونخب و"منتدى الحرية والسلام" بعد سقوط كل الرهانات، وقد أكدت الانتخابات أخيرا نزوع المجتمع الإسرائيلي وبنياته المختلفة، منذ تكوينه، نحو العنصرية المقيتة واليمينية الفاشية. ظهرت هذه النزعة جليةً في انتخابات الثلاثاء الماضي التي توجت معسكر الليكود، بزعامة بنيامين نتنياهو، وإلى جانبه أحزاب دينية ويمينية، تطالب بضم كل فلسطين التاريخية لإسرائيل تحت ادعاء ومزاعم قداسة "يهودا والسامرة"، ولا تُخفي رغبتها في تطهير عرقي عبر "ترانسفير" للفلسطينيين خارج الحدود.
بالعودة إلى العقود الثلاثة أو الأربعة الأخيرة، يتضح تصاعد منسوب اليمينية في المجتمع الإسرائيلي، بفعل التغيرات الديمغرافية والإثنية التي طرأت داخل "إسرائيل"، لصالح تنامي المجموعات اليمينية من المهاجرين والمتدينين ذوي المعتقدات العنصرية. أضف إلى ذلك فشل ما يُسمى المعسكر المعتدل، أو اليسار، في إحداث أي تقدم نحو السلام، وتبرير فشله بحجة "غياب شريك فلسطيني"، ما دفع شرائح عريضة من الجمهور الإسرائيلي إلى الاتجاه نحو أحزاب اليمين وتأييد سياسات "القبضة الحديدية" ضد الفلسطينيين. ولا يمكن تجاهل عامل الإنجازات "العظيمة" التي حققها اليمين في العقدين المنصرمين، وتكثفت، منذ رئاسة دونالد ترامب، البيت الأبيض، وتوجت باعتراف الأخير بالقدس عاصمة لإسرائيل، ثم نقله سفارة واشنطن إليها، تلا ذلك توقيعه على اعتراف بالجولان جزءا من إسرائيل، مع عدم إظهاره أي تحفظ على مخططات نتنياهو لضم أراضٍ من الضفة الغربية، وربما كلها، أضف إلى ذلك فتحه عواصم عربية وازنة أمام إسرائيل من دون شروط.
لا تشكو مكونات المجتمع الإسرائيلي من نقصٍ في اليمينية، فجوهر معسكر الجنرالات السابقين، (أو تحالف "أزرق – أبيض")، بزعامة بيني غاينتس وموشيه يعلون، لا يقل شراسة أو فاشية عن حزب الليكود أو أحزاب اليمين الأخرى. وقد تجلى التماهي حتى التطابق بين المعسكرات المتنافسة في توافقها على تعزيز مكانة إسرائيل دولة للشعب اليهودي، واعتبار القدس عاصمة موحدة وأبدية للشعب اليهودي، وتوافقها أيضاً على تغييب الشأن الفلسطيني، بما في ذلك تجاهل أي حديثٍ عن السلام أو المفاوضات خلال الحملات الانتخابية. وبذلك، يتفوّق اليمين على نفسه بإصرار مختلف أطيافه على الالتزام بالسيطرة الأمنية والعسكرية على الضفة الغربية، والإبقاء على المستعمرات، وعدم الانسحاب من الجولان المحتل وغور الأردن.
لا يُخفي المجتمع الإسرائيلي يمينيةً لا يعمى عنها مُبصر أو بَصير. يكفي النظر إلى مضمون الشعارات والمواد الانتخابية التي حفل بهما المجال العام والفضاء الافتراضي، حتى يُدرك العاقل بحر العنصرية الذي يطفو عليه هذا الكيان، فمنذ حل الكنيست في نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2018، والدعوة إلى انتخابات تشريعية، تنافس المرشحون وأنصارهم في إظهار بطولاتهم، مرة بقتل الفلسطينيين في غزة، ومرة بتكريم قتلة الفلسطينيين، ومرّات تفاخراً بتدنيس المسجد الأقصى، ومرّات بالتباهي بمصادرة الأراضي وهدم البيوت وبناء المستوطنات.
الآن، بعد فوز اليمين الإسرائيلي على اليمين الإسرائيلي، ماذا تبقى للرئيس الفلسطيني محمود عباس من حكمةٍ لترك يده ممدودة في الهواء نحو سراب مفاوضاتٍ لم ترها إسرائيل يوماً إلا محض هراء، وفسحةً لاجترار الزمن، وقضم الجغرافيا.
AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.