عمرو واكد وأبو النجا.. وآخرون

عمرو واكد وأبو النجا.. وآخرون

02 ابريل 2019
+ الخط -
عندما كان أنور السادات يستنكر تحالف الإخوان المسلمين والشيوعيين عليه، لم ينتبه إلى أن تجاوز كل منهما مراراته الأيديولوجية التي هي أعز ما يملك لا يعني سوى أنه قرف الناس في عيشتها، إلى درجة تجعلهم على استعداد لفعل أي شيءٍ لإزاحته، الأمر الذي تكرّر بعد ثلاثين سنة في حكم حسني مبارك، وأقل من ست سنوات من حكم عبدالفتاح السيسي. لا يعني ذلك أن الأمر يتكرّر بتفاصيله كافة، فالسلطة في مصر بدورها تراكم خبراتٍ في كيفية زرع مزيد من المرارات، وحصد مزيدٍ من الكراهية، إلا أن لدى الجميع، الآن، الاستعداد لفعل أي شيء في سبيل إزاحة هذا الفاشل المسلح الذي يحكم بالرصاص واليأس.. ولكن أين هو هذا الفعل؟ هل من حل واضح؟ هل من سبيل.. طريقة.. فكرة؟
السؤال يتكرّر، الجميع يسأله للجميع، أتلقاه كثيرا، ظنا من قارئي أن المسؤول أعلم من السائل. أندهش أحيانا حين يسألني واحد من أصدقائنا، من غير المصريين: هل من أمل في تغير الوضع في مصر؟ أندهش أكثر حين أعرف أن سر اهتمامه هو اعتقاده بأن الخلاص في مصر يعني الخلاص للجميع. الجميع ينتظر الأمل القادم من ميدان التحرير. كان هذا هو سؤال جمال خاشقجي الأخير لي، حين التقينا آخر مرة، قبل رحيله بشهر، في إسطنبول. كان يحمل كتابا عن مصر، وسألني، وهو المتابع الجيد للشأن المصري: هل من شيء يمكن أن يعرفه المصريون، ويغيب عني، يحمل أي أمل لتغير الوضع في مصر؟ كانت إجابتي: نظريا لا، لكنه الأمل.
الشارع لم يمت، تلقى من الضربات والطعنات والإحباطات ما يكفي لشل حركته، وإخراسه، إلى الأبد. وعلى الرغم من ذلك، ما زال الناس يتكلمون، يرفضون التعديلات الدستورية التي تمكن السيسي من البقاء مدى حياته، كما يخطط. يسخرون من خطاباته القذافية. يتفاعلون مع أي سطر يكتب على مواقع التواصل ويطالب برحيله. يتابعون ما فعله خالد أبو النجا وعمرو واكد أخيرا، ويتناقشون بشأنه، بين مؤيد وخائف. لم تفلح المزايدات في إقناعهم بخيانة المعارضة. هم اليوم على يقين أن الخائن الحقيقي هو من يختبئ خلف حصونه في الاتحادية، ولا يجرؤ أن يمشي في شارع واحد في مصر، حتى هؤلاء البسطاء الذين دعموا السيسي وأيدوه، وانتظروا من وراء تصريحاته الناعمة خيرا، يتغيّرون، وجود "الإخوان المسلمين"، بكل ما يحمله من عبء على المشهد المعارض، خطابه، ومستقبله، لم يفلح في إسكات الناس.. ثمّة أمل.
تحتاج المعارضة المصرية فكرة، فكرة حقيقية، جادّة، واقعية. لن يرحل السيسي باصطفاف وهمي بين متناقضين، حد التناحر، والتخاصم، والتصارع حول بديهياتٍ، لن يرحل بالصفافير والزمامير، والحاوي، والسيرك والمراجيح، والحمص، وحب العزيز، لن يرحل بالمراهنة على عسكري آخر، سامي عنان في السجن. كما أن استدعاء تجربة ما قبل يناير/ كانون الثاني 2011 لا يتسق مع أننا الآن في 2019، فلن يصلح آخر هذه الثورة بما صلح به أولها، لا الثورة ولا الأمة، ولا شيء يصلح آخره بما صلح به أوله. هذه أوهام، الزمن لا يلعب معنا، الزمن يغيّرنا، فنتغير، شئنا أم أبينا. لا "الإخوان" في نظر خصومهم هم "الإخوان" قبل استفتاء مارس/ آذار 2011، وأحداث شارع محمد محمود، والترشح، وخيانة العهود، والإعلان الدستوري، وأهلي وعشيرتي، والاتحادية والحسيني أبو ضيف، ولا التيار المدني في نظر "الإخوان" هم التيار المدني قبل "تمرد" و"3 يوليو"/ تموز، والمنصة والحرس الجمهوري ورمسيس ورابعة والنهضة، ومرارات وتفاصيل لا تنتهي، ولن تنتهي، ما دمنا نصرّ على مناقشتها وفق مذهب الصراخ والعويل، والمزايدات والمكايدات، والابتزاز، وحصد الإعجابات بالمغالطات المنطقية والمتاجرة بالمشاعر وتزوير التاريخ الذي عشناه، وشاركنا في صناعته، سلبا وإيجابا، أو عدم مناقشتها على الإطلاق تحت دعاوى مراهقة بالاصطفاف المجاني، وتقبيل اللحى والرؤوس، والعبوا مع بعض، والتقطوا صورا وفيديوهات، واعملوا مظاهرات، والسيسي سيسقط وحده!
تربية الأمل.. والبحث عن فكرة حقيقية، والانتظار الواعي.. هو كل ما نحتاجه، وستجري مياه، ويأتي البحر بموجٍ جديد، قولوا يا رب.