محاربة الفساد أداةَ تفتيت سياسي

محاربة الفساد أداةَ تفتيت سياسي

09 مارس 2019
+ الخط -
ليس في استطاعة مواطنة لبنانية تتابع كيف تطورت قضية محاربة الفساد في لبنان، إلى حرب سياسية طاحنة بين المعسكرين المتخاصمين: حزب الله وحلفائه من جهة وتيار المستقبل من جهة ثانية، برئاسة رئيس الحكومة الحالي سعد الحريري، إلا مقارنة ما يجري في لبنان، على هذا الصعيد، بما يجري في إسرائيل، ولا سيما بعد اتهام المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بالحصول على رشىً وإساءة الأمانة والاحتيال.
انفجرت أخيراً القضية في لبنان، بعدما كلف حزب الله أحد نوابه في البرلمان اللبناني معالجة ملف الفساد بالتركيز على موضوع أساسي: الإنفاق غير القانوني لـ 11 مليار دولار، خلال الفترة التي تولى فيها فؤاد السنيورة رئاسة الحكومة في السنوات 2006 - 2009. بالطبع أول ما يتبادر إلى الذهن سبب العودة إلى الماضي، وتوجيه الاتهامات إلى شخص يعتبر أحد رموز تيار المستقبل السابقين، وهو لم يعد نائباً وأصبح شبه متقاعد من الحياة السياسية؟ وما هي آلية التحقيق والتقصّي التي استخدمها نائب حزب الله؟ والأهم كيف يمكن ترجمة النتائج التي توصل إليها إلى خطوات عملية يمكن تطبيقها الآن لمكافحة الفساد والإنفاق غير القانوني والهدر؟ أخرجت كل هذه التساؤلات وغيرها القضية من إطارها الموضوعي المفترض، وأدخلها ضمن سياق العداء القديم - الجديد، وتصفية الحسابات بين حزب الله وكتلة المستقبل، وأعطاها بعداً مذهبياً مقيتاً لخلافٍ أعمق بين الشيعة والسنّة الذين يعتبرون السنيورة من رموزهم البارزة.
في إسرائيل، توجد هيئات قانونية وقضائية لمعالجة الفساد، وهي تعتمد، من بين أمور أخرى، على تحقيقات تقوم بها أجهزة الشرطة، ما يعطي عملية المحاسبة صفة قانونية موضوعية، تبعدها عن التسييس، على الرغم من أن هذا لم يُكلّل بالنجاح، وتصوير نتنياهو القرار محاولةً من اليسار والقضاء والشرطة للنيل منه. من بين قضايا الفساد المتهم بها نتنياهو استخدام نفوذه لشراء ولاء صحفٍ مؤثرة في إسرائيل، وتسخيرها لتلميع صورته السياسية. وحصوله على رشىً، علب سيجار وصناديق شمبانيا ومجوهرات، مقابل خدمات قدّمها إلى رجال أعمال يهود. وذلك كله موثق بالأرقام وبشهادات مع المعنيين في هذه الملفات.
في لبنان، البلد الذي يقوم على المحاصصات الطائفية، وتبادل الخدمات وتقاسم المغانم،
 واستغلال المناصب الرسمية والعامة لمآرب خاصة، ولخدمة المحازبين وأبناء المنطقة والطائفة، من الصعب، أو يكاد من المستحيل، أن نعرف بدقة حجم تورّط السياسيين في الرشى وسوء أمانتهم. ألغت الحكومة الحالية وزارة محاربة الفساد التي كانت في الحكومة السابقة. وانتخب مجلس النواب الحالي أعضاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وفق مبدأ المحاصصة الطائفية، فهل في إمكان أعضاء يمثلون طوائفهم أن يتحرّروا من نفوذها في محاسبتهم المتهمين بالفساد؟
في إسرائيل، يجرؤ المستشار القانوني على إصدار قرار اتهام ضد رئيس الحكومة قبل أكثر من شهر على الانتخابات العامة في إسرائيل، مع كل الانعكاسات السلبية التي يمكن أن يكون لهذا القرار على نتائج الاقتراع المقبل.
بالطبع، لست هنا في معرض الإشادة أو الإدانة، بل في معرض المقارنة، مع العلم أن الفساد مرض متفش في حكومات العالم كله. ولكن في دولة ضعيفة مثل لبنان، المواطن العادي هو الذي يدفع الثمن دائماً.
يحدث هذا كله في خضمّ أخطر أزمة مالية يمر بها لبنان في السنوات الأخيرة، فقد بلغ العجز المالي في نهاية سنة 2018 خمسة مليارات دولار، وخلال يناير/ كانون الأول 2019 وصل إلى 1.3 مليار دولار، على الرغم من وعود الحكومة اللبنانية في مؤتمر "سيدر" للدول المانحة خفض العجز بنسبة 500 مليون دولار. من شأن هذا الأمر، مضافاً إلى الخلافات الحادّة بين أطراف الحكومة بشأن ملفات الفساد، أن يبعث على الشك لدى الدول المانحة في قدرة الحكومة الجديدة على خفض عجزها، والقيام بالإصلاحات المطلوبة.
إذا أخفقت الحكومة اللبنانية الحالية في القيام بالإصلاحات المالية، ولم تنجح في الحدّ من العجز، ولم تمنع هدر المال العام، ولم توقف الفوضى في سياسة التوظيف، ولم تمارس رقابةً حقيقيةً على إنفاق الوزارات والمؤسسات العامة، فسيكون هذا إخفاقاً لجميع مكونات الحكومة، وفي مقدمتهم حزب الله، وبداية مسار انهيار سياسي ومالي ينذران بالأسوأ.

رندة حيدر
رندة حيدر
رندة حيدر
كاتبة وصحافية لبنانية متخصصة في الشؤون الإسرائيلية
رندة حيدر