متى تستغني إسرائيل عن أميركا؟

متى تستغني إسرائيل عن أميركا؟

07 مارس 2019
+ الخط -
لم يخلُ تاريخ العلاقات الأميركية - الإسرائيلية من تناقضاتٍ ثانوية، ففي عام 1956 عبّر الرئيس الأميركي آنذاك، دوايت أيزنهاور، عن غضب بلاده من استيلاء إسرائيل على شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة في حملةٍ مع فرنسا وبريطانيا، بتهديده بتعليق الدعم المالي الحيوي لإسرائيل ما لم تنسحب، وقد يكون مرد ذلك الموقف الأميركي الخوف من ازدياد النفوذين، البريطاني والفرنسي، في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من موقف الولايات المتحدة المنحاز لإسرائيل في حربها ضد الدول العربية المجاورة في 1967، خيم على العلاقات التوتر في أثناء هجوم إسرائيل على سفينة التجسس الأميركية (ليبرتي) في المياه الدولية. 
لقد هدّدت إدارة الرئيس الأميركي، جيرالد فورد، في 1975 بإعادة تقييم العلاقات مع إسرائيل ما لم توقع إسرائيل على اتفاقية "فك اشتباك" مع مصر، لتنسحب من سيناء. ودانت الولايات المتحدة قصف إسرائيل المفاعل النووي العراقي في 1981، حيث دعمت الولايات المتحدة العراق إبّان حرب الخليج الأولى ضد إيران. وفي 1990، قال وزير الخارجية الأميركي ، جيمس بيكر، إن غضب الولايات المتحدة يزداد بسبب تباطؤ إسرائيل في مفاوضات السلام مع الفلسطينيين، كما أنه ذكر رقم هاتف البيت الأبيض، ودعا الجانبين "إلى الاتصال بنا عندما تكونان جادين بشأن السلام". وكتب الرئيس جورج بوش في 2004 خطابا إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، أرييل شارون، قال فيه إن المراكز السكانية الكبرى القائمة، في إشارة غير مباشرة إلى الجيوب الاستيطانية اليهودية في الضفة الغربية؛ تجعل التوقعات بعودة إسرائيل لخطوط الهدنة لعام 1949 "غير واقعية".
وقد شهدت فترتا حكم الرئيس أوباما أزمة عكست حالة من عدم الثقة بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، بسبب الخلاف بشأن ملفي المستوطنات الإسرائيلية والنووي الإيراني. أما 
إدارة الرئيس دونالد ترمب فأكثر تجاوباً مع المواقف والتوجهات الإسرائيلية ، ويتضح ذلك في الضغوط الأميركية المتزايدة على الفلسطينيين، التي توجت في نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وإيقاف المساعدات لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في 2018.
وعلى الرغم من بروز بعض التناقضات في إطار العلاقات الأميركية – الإسرائيلية، إلا أنها لم تمس بجوهر تلك العلاقات الإستراتيجية، حيث لعبت إسرائيل وتلعب دورا مهما في إطار المصالح الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، وقد أكّدت ذلك وسائل الإعلام الأميركية والإسرائيلية. وقد تجاوبت الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ عام 1948 مع الإستراتيجية التي تقوم على تطوير التحالف مع إسرائيل باعتبار الأخيرة حاجة جوهرية في قلب المنطقة العربية. وتبعا لذلك، رسخت الولايات المتحدة علاقاتها مع إسرائيل في مختلف الميادين، السياسية والاقتصادية والثقافية والدبلوماسية، وتجلى ذلك بالدعم الأميركي لإسرائيل في الأمم المتحدة، واستخدام حق النقض (الفيتو) ضد أي محاولة لاستصدار قرارٍ يدين ممارسات إسرائيل العدوانية والتعسفية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل.
وقد توضح التوجه الأميركي لدعم إسرائيل، خلال الانتفاضتين، الأولى والثانية، وقبل ذلك الضغط الأميركي على المنظمة الدولية التي ألغت القرار الذي يوازي بين العنصرية والصهيونية، بيد أن المساعدات الأميركية لإسرائيل عرفت بأنها الأهم في إطار الدعم الأميركي لإسرائيل، فحلت أزمات اقتصادية إسرائيلية عديدة، أو حدت منها على الأقل، ناهيك عن أثرها المهم في تحديث الآلة العسكرية الإسرائيلية، وتجهيزها بصنوف التكنولوجيا الأميركية المتطورة. وبهذا تكون الولايات المتحدة الشريك الأساسي لإسرائيل، في عدوانها المستمر على الشعب الفلسطيني. وقد استطاعت إسرائيل استحضار الحليف الأميركي، إثر عدوانها على الدول العربية في يونيو/ حزيران 1967. وقد اعتمدت قبل ذلك على بريطانيا وفرنسا. 
وباتت إسرائيل تلعب دوراً جوهرياً في إطار المصالح الأميركية في منطقة الشرق الأوسط.
ويمكن الجزم بأن مستقبل مكانة إسرائيل في إطار العلاقات الأميركية الدولية مرتبط، إلى حد كبير، بالعلاقات الإستراتيجية الأميركية الإسرائيلية، وبنفوذ اللوبي اليهودي في مراكز القرار الأميركي. ويلحظ متتبع تلك العلاقة أن نفوذ اليهود المنظم في الولايات المتحدة، وكذلك أهمية دور إسرائيل في إطار المصالح الأميركية الشرق أوسطية، على الرغم من تناقضات ثانوية أحيانا، سيبقي على مكانة مهمةٍ لإسرائيل في إطار العلاقات الأميركية الإسرائيلية في المدى المنظور. وبالتالي على أهمية إسرائيل حاجة وذخرا إستراتيجيا لأميركا في الوقت نفسه. وفيما يخص الحديث في الأوساط الإسرائيلية عن إمكان استغناء إسرائيل عن تحالفها مع الولايات المتحدة، في ظل تحقيقها معدلات نمو اقتصادي، يفوق معدلات النمو السكاني فيها، من ضروب الخيال، خصوصا أن الإدارات الأميركية المتعاقبة قدمت مساعدات سخية لإسرائيل، ساهمت في استيعاب مئات آلاف من المهاجرين اليهود، وخصوصا من الاتحاد السوفييتي السابق. ومولت حملات إسرائيل العسكرية العدوانية على الشعب الفلسطيني، وعلى دول عربية، كما ساهمت الإدارات الأميركية في تعويض إسرائيل عن خسائرها المالية والعسكرية، بعد حروبها. وأفشلت مشاريع قرارات دولية كانت ستدين سياسات إسرائيل وممارساتها التوسعية والتهويدية تجاه الشعب الفلسطيني وأرضه.