عن العبادة والغضب

عن العبادة والغضب

06 مارس 2019
+ الخط -
أعرف ناسا كثيرين يُصَلون ويصومون، ولهم حظٌ من الالتزام، فضلًا عن غير الملتزمين، إذا أصاب أحدَهم خيرٌ اطمأنَّ به، وإذا أصابته فتنةٌ من مرضٍ أو فقرٍ أو هزيمةٍ أو فشلٍ أو ضائقةٍ من ضوائق الدنيا، ثم طال عليه أمَدُها امتلأ غضبًا على الله، واستنكر أن يسمحَ للفتنة أن تصيبه وتطولَ عليه أيامُها، وهو الذي يصلي ويصوم ويلتزم بأمره ونهيه أو على الأقل يؤمن به. وغالبا ما يكون هذا الغضب والاستنكار مكتوما لا يُصرح به صاحبُه، وإنْ حَدَّثَ به نفسَه.
فيا أيها الغاضب، ماذا تريد؟ هل تنقمُ من الله أنه خلقك فَسَوَّاكَ فَعَدَلَك؟ أم تنقمُ منه أنه يريد الخيرَ والنجاةَ والفوزَ لك؟ أم تُراك تنقمُ منه أَنْ أرسلَ إليك خَيْرَ رسول يُعلمُكَ الكتابَ والحكمةَ ويُزَكِّي عقلَك وقلبَك؟ وهل تنقمُ منه أنه يريدك إنسانا محترمًا، عزيزًا لا ذليلًا، صادقًا لا كاذبًا، أمينًا لا خائنًا؟
إنْ كنتَ تعبده فهو ليس بحاجةٍ إلى عبادتك، وإنْ كنتَ تلتزم بأمره ونهيه، فهو كذلك لا يعود عليه نفعٌ من التزامك؛ فإيمانُك أو كفرُك لن يزيدا أو ينقصا منه شيئا.
إنما دعاك اللهُ تعالى لعبادته رأفةً بك ورحمة، وهو الذي خلقك، ويعلم أن سعادةَ قلبِك ورُوحِك لن تكون إلا بعبادته وطاعته فَـ "إنْ تكفروا فإن الله غنيٌ عنكم، ولا يَرضى لعباده الكفر"، لِعِلمه أن مع الكفر لا يكون إلا الخسرانِ والشقاء في الدنيا والآخرة، أما فِتَنُ الدنيا ومِحَنُها وتقلباتُها فسوف تصيبك لا محالة آمنتَ أم كفرت، بَرَرْتَ أم فَجَرْت.
وقد أثبتت التجربة أنه لن يستطيع أن يتجاوز هذه المحن إلا مَن كان لله عابدا، وبدينه مستمسكا، ولأمره ونهيه ممتثلا، ولِشَرعِهِ مُطَبِّقًا.
لستُ أقول ذلك تقليدًا لما سمعتُ أو قرأتُ، ولكنْ إيمانًا بأنه الحق الذي ليس بعده إلا الضلال، ولا يبقى لنا كي نعملَ بهذا الحق إلا توفيق الله ومَدَدُه وأن يشملنا بكرمه ورحمته، فاللهم "ربَّنا لا تُزِغْ قلوبَنا بعد إذْ هديتَنا وهَبْ لنا مِن لَدُنكَ رحمةً إنك أنت الوهاب".

D097F4C2-160E-4B11-A1E0-5345D21DFB1C
D097F4C2-160E-4B11-A1E0-5345D21DFB1C
حمدي محمود (مصر)
حمدي محمود (مصر)