نحو مزيد من التطرّف

نحو مزيد من التطرّف

31 مارس 2019
+ الخط -
كانت آمال كثيرة معلقة على تقرير المحقق الأميركي، روبرت مولر، لينهي كابوس ولاية الرئيس، دونالد ترامب، وامتداداتها في الداخل الأميركي وخارجه، غير أن الرياح لم تأت كما تشتهي السفن، بل تحوّلت إلى إعصار مضاد ينذر بكوابيس متلاحقة، لا بوادر أمل للخلاص منها، فتحقيقات مولر، والتي كان من المفترض أن تجد رابطاً بين الحملة الانتخابية للرئيس الأميركي وروسيا، خرجت بتقريرٍ لا يثبت وجود أي رابط مؤكد بينهما، ما يعني أن كل ما قيل في السابق ليس إلا "صيد ساحرات"، وهو ما كان ترامب وفريقه يردّدونه. لم يخرج ترامب من دائرة الشبهات فقط، بل بات أقوى من قبل، وتقمّص دور الضحية الذي يريد الآخرون تدمير "نجاحاته" في الفترة الأولى من ولايته، وهو أمرٌ سيستغله أحسن استغلال في التحضير لخوض معركة الولاية الثانية، والتي يبدو أن حظوظه فيها باتت مرتفعة، خصوصاً أن قاعدته الانتخابية الأساسية لم تتأثر كثيراً بالحملات ضده، ومن الممكن أن تضاف إليها فئاتٌ كانت على الحياد، بانتظار تبيان مصير الرئيس والتهم الموجهة إليه. ودرء شبهات العمالة لروسيا، أو على الأقل التنسيق معها في الانتخابات الرئاسية السابقة، سيكون عاملاً مؤثراً في تحديد توجهات ناخبين كثيرين غير مسيسين في الفترة المقبلة.
يشعر ترامب بلا شك بالانتصار، وهو بدأ ترجمة ذلك بالعودة إلى الخطابات العنصرية التي تدغدغ مشاعر جزء كبير من الناخبين الأميركيين، وجديدها الإشارة إلى إمكان إغلاق الحدود مع المكسيك، لوقف تدفق المهاجرين إلى الولايات المتحدة. وهذه قد تكون مجرد بداية، سيستتبعها ترامب بالمضي بمزيدٍ من الإجراءات التي كان جمّدها سابقاً، ومنها العودة إلى فكرة الجدار على الحدود مع المكسيك، وحظر دخول المسلمين من بعض الدول إلى الولايات المتحدة، وغيرها من القرارات التي تغذّي اليمينية العنصرية، ليس في الولايات المتحدة فقط، وإنما خارجها أيضاً.
تبرئة ترامب، ودخوله معركة الولاية الثانية بهذه القوة، ليسا نصراً له فقط، بل لكل أفكار اليمين المتطرّف الذي بدأ ينتشر بقوة في الدول الأوروبية وغيرها. إذ إن صعود ترامب إلى الرئاسة الأميركية قبل ثلاث سنوات أعطى زخماً للحركات اليمينية المتطرّفة التي بدأت تجاهر بتوجهاتها العنصرية، وتحوّلت بها من مجرد كلام إلى الفعل. ولعل برينتون تارانت، منفذ مذبحة نيوزيلندا، واحد من كثيرين تأثروا بأفكار ترامب، وقد ذكره بشكل مباشر في المانفيستو الذي كتبه قبل ارتكاب المجزرة، إذ رأى الرئيس الأميركي "رمزا لإعادة الاعتبار لهوية البيض".
اليوم، وبعد التحول الداخلي الأميركي، وانتقال ترامب من كونه متهماً إلى ضحية، سيجعل العالم أمام موجةٍ جديدةٍ من مد التطرّف اليميني، الموجّه إلى كل ما هو مختلف عن "التفوّق الأبيض"، والذي بات ترامب رمزاً أساسياً له. مدٌّ يميني لن يكون محصوراً في أوساط "المجتمعات البيضاء"، بل سيقابله آخر بين الفئات المستهدفة بهذه التوجهات اليمينية، وهو ما ستغذيه أيضاً خطابات شعبوية تتوجه إلى "الفئات المستضعفة"، وهو ما بدأ فعلياً بعد مذبحة نيوزيلندا، إذ تصاعدت لغة الشحن المضاد، والتي قد تكون لها ترجمة فعلية على أرض الواقع، كما حصل في هولندا الأسبوع الماضي. على هذا الأساس، تقرير مولر ونتائجه ليسا مجرد تحقيق داخلي أميركي تقتصر مفاعيله على مصير سيد البيت الأبيض، وهوية الحزب الحاكم في الولايات المتحدة، بل سيكون له الأثر الكبير في رسم ملامح التوجهات السياسية العالمية، في الشرق والغرب، لنكون أمام مرحلةٍ جديدةٍ من الجنون.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".