الجولان وترامب

الجولان وترامب

31 مارس 2019
+ الخط -
شنّت إسرائيل، في يونيو/ حزيران عام 1967، حرباً خاطفة سمتها حرب الأيام الستة، على الرغم من أنها استمرت خمسة أيام فقط، احتلت خلالها ما يعادل ثلاث مرات المساحة التي كانت عليها من قبل، فقد استولت بشكل كامل على قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء المصرية، والضفة الغربية والقدس، وكذلك مرتفعات الجولان والقنيطرة من سورية. وأضافت هذه الجغرافيا ميزة لإسرائيل، وأعطتها قوة تفاوض قصوى. وبعد صراع مرير في غرف المفاوضات، وتنازلات عاطفية كبيرة، استعادت مصر سيناء. وبموجب اتفاقيات أوسلو سيطرت السلطة الوطنية الفلسطينية على غزة، وجزء من الضفة الغربية، بأوصال مقطعة، وبقيت القدس تحت السيطرة الإسرائيلية منتظرة مصيرها النهائي. أما على الجانب السوري فقد أعيدت القنيطرة إلى السيادة السورية بوساطة هنري كيسنجر بعد حرب تشرين (أكتوبر) 1973، وبقيت القبضة الإسرائيلية محتفظة بمرتفعات الجولان التي تمسّكت بها لأهميتها العسكرية، وللحفاظ على ورقة تفاوض قوية في يدها. وفي خطة لرفع السقف، وإظهار التشدّد، أصدر الكنيست آنذاك قانوناً يضم بموجبه الجولان إلى السيادة الإسرائيلية. ومع ذلك، استمر أهالي الجولان بالتمسّك بهوية سورية، وواظب حافظ الأسد على شراء التفاح الجولاني، في خطوةٍ ذات رمزية، حتى قرر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قبل أيام، الاعتراف بالهضبة جزءا من إسرائيل. ويأتي هذا الاعتراف في سياق استراتيجيةٍ يعتمدها ترامب لمواجهة إيران، وفي الوقت نفسه دعماً لإسرائيل.
لا يفاجئ ترامب أحداً بموقفة الجديد، ولكن اعترافه يكشف عن ضعف الهيكل السياسي الإقليمي، ويقين ترامب بأن كيانا كجامعة الدول العربية لا يمتلك وسائل مؤثرة للرد، كما يكشف أن ترامب ضاق ذرعا بتقاليد النظام العالمي الحالي، ويود بالفعل أن يكسر ثوابته الأساسية.
يمكن اعتبار سورية الحالية مقسّمة بالفعل، فثلثها يخضع لقوات سورية الديمقراطية (قسد) وجيش سورية الديمقراطية الذي ترعاه الولايات المتحدة، وجزء كبير من الشمال الذي يضم إدلب وبعض ريفها وبعض ريف حلب وحماة واقع تحت سيطرة قوات عسكرية مختلفة، أبرزها هيئة تحرير الشام، والجزء الباقي يديره النظام. وتعتبر الكيانات الثلاثة بمنتهى الضعف، وجميعها تعتمد على جهاتٍ خارجية، ولا تتمتع بدعم كبير من دواخلها. وبذلك يفقد الكيان السوري قوامه السياسي. الضعف السوري جزء من ضعف أكبر على مستوى الإقليم، وتتوزع توجهات الدول المجاورة لتدعيم هذه الكيانات المتناحرة على أرض سورية. ويعكس هذا خلافات الوسط الإقليمي القابل للاختراق، وغير القادر على مواجهة خطوة ترامب الذي يقدّم هدية لبنيامين نتنياهو، قد تتحول إلى حقيقة جغرافية بعد مضي زمن.
ربما توقع ترامب موجة الانتقادات الضخمة التي واجهته بها أوروبا والعالم، برفضها الاعتراف لإسرائيل بالسيادة على هضبة الجولان، ولكنه اختبر العينة نفسها من المواجهات عندما ألغى الاتفاق النووي مع إيران، حينها تكتلت أوروبا، بمن فيها حليفته بريطانيا، ضد قراره، ثم ما لبث هذا التكتل أن ضعف، وبدأ يبحث عن مخرجاتٍ سياسية لتتماشى سياساته مع ما يريده ترامب. واليوم تؤدي الدول الغربية والأمم المتحدة "نوافلها"، وتندّد بما فعله ترامب، ولكن من دون أن تتأثر الجغرافيا بذلك. وقد يفيد نتنياهو، فيضمن مقعد رئيس الوزراء للسنوات الأربع المقبلة، ويقرّر أن يرد لترامب المعروف من خلال "صفقة القرن"، وهذه ميدان آخر، سيمارس فيه ترامب هوايته بتكسير كل ما شبت عليه السياسة الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
يدفع ترامب باتجاه الاستفادة من الأوضاع السائدة، لتحقيق مكاسب ذاتية له، ولحلفائه. ولا يتوقف الأمر عند الحلفاء، فقوى أخرى تستفيد جزئياً من السلوك الأميركي، مثل روسيا التي تتحكم بمساحة كبيرة من الأرض السورية. وقد يصبح إقليم القرم تابعاً لها كليا، ويمكن أن تستفيد الصين، هي الأخرى، فتمد يدها نحو تايوان التي طالما اعتبرتها جزءاً منها، قد يحدث هذا بالأسلوب نفسه الذي اعتمده ترامب لإلحاق الجولان بإسرائيل، ويكون بذلك فتح باباً واسعاً لا تملك الأمم المتحدة، ضمن ميثاقها الأساسي، ما يساعد على ضبطه أو إغلاقه.