رامي مالك والترنيمة البوهيمية

رامي مالك والترنيمة البوهيمية

04 مارس 2019

رامي مالك.. نجاح وجائزة أوسكار لأحسن ممثل (24/2/2019/Getty)

+ الخط -
لم تكن "هوليوود" رحلة وردية منزوعة الأشواك، بالنسبة للممثل الأميركي من أصل مصري، رامي مالك، بل كانت مسيرةً من التعب والكد والمثابرة والصبر والتحمّل، لعب خلالها أدوارا ثانويةً لم يلتفت إليها أحد، مخالفا رغبة العائلة التي حلمت بأن يتجّه إلى دراسة الحقوق، غير أنه أصر على دراسة الدراما في ملاحقة حلم كان دافعا ومحفزا أوصله إلى الأوسكار في سن السابعة والثلاثين، عن دوره الاستثنائي في فيلم الافتتان البوهيمي (أو الترنيمة البوهيمية) الذي حقق أعلى الإيرادات، ونال الاستحسان من كبار النقاد، وهو يسرد قصة حياة فريدي ماركوري، نجم فرقة كويين التي ألهبت خيال الملايين من عشاقها من جيل السبعينيات والثمانينيات، لا يمكن أن نصف أداء مالك هذه الشخصية الملتبسة المركّبة غريبة الأطوار، إلا بأنه أداءٌ يحبس الأنفاس، لشدة براعته في تقمّص الشخصية، بحيث قد يختلط الأمر على المتلقي من فرط التطابق الذي بلغه هذا العبقري، وقد أذهل "هوليوود"، وجعلها تصفق طويلا، وهي تشهد ولادة نجمٍ كبيرٍ يشع من عينيه وهج الشغف والموهبة الفذة. نزع رامي روحه من جسده الضئيل، وضعها جانبا، مؤجلا إياها إلى حين، وارتدى بعفويةٍ بالغةٍ شخصية المغني والعازف على أكثر من آلة موسيقية، وكاتب الكلمات للأغنية التي باتت عنوانا لهذا الفيلم الجميل المدهش. ويذكر رامي، في مقابلة تلفزيونية، أنه وبمجرد خضوعه لاختبار الأداء، وقبل تأكده من حصوله على الدور، طار إلى لندن، مقر إقامة فريدي، وبدأ مستعينا بمختصين في دراسة كل أبعاد الشخصية والتفاصيل الصغيرة، حتى أتقنها بشكلٍ يفوق التوقع، واستحق، بجدارةٍ، هذه الجائزة الأعلى قيمة وأهمية، ما جعل الجمهور العربي يسارع إلى الاحتفال بمصدر فخر العرب الجديد. 
وعلى الرغم من أنه يتحدث عن أصوله المصرية العربية بحب، إلا أن رامي يكاد لا يتقن تركيب جملة عربية واحدة، وهذا متوقع من أولاد المهاجرين ممن ولدوا على الأرض الأميركية، ولا يعرفون بلاداً سواها، حيث لا يعانون مثل آبائهم من تبعات الغربة، وبمجرد التحاقهم بالحضانة، يبدأ تأثير العائلة بالتراجع، لتطغى مفردات ثقافة البيئة المحيطة، وينسى الطفل ما تعلمه في بيته، ليصبح أميركي الهوى والهوية، وهذا أمر مفهوم، ونتيجة طبيعية، لا تستوجب الإدانة. وثمّة من وجه أقسى عبارات الانتقاد لرامي، كون فريدي مراكيروي معروفٌ بمثليته، ما جعل بعضهم يضع الممثل الشاب في دائرة الشك، غير ملتفتين إلى أهمية هذه الموهبة غير الاعتيادية.
تسلم رامي جائزة أوسكار، متحدثا، في خطابٍ مقتضب، عن أصوله العربية، مؤكدا على انتمائه للثقافة الأميركية. ولعل هذا الاستحقاق مطلوبٌ من أبناء أي عائلةٍ مهاجرة، كي يحظوا بالقبول والاندماج، كما ربط آخرون بين عمر الشريف ورامي. وفي إجابه ذكية، تنم عن ثقافة وعمق وحساسية، على اعتباره عمر الشريف الثاني، عبّر بدبلوماسية عن احترام تجربة الشريف، لكنه أكد أنه يسعى إلى الاختلاف والخروج من قيد أدوار نمطية، حاول بعض المنتجين حشره في إطارها، مثل شخصية فرعونية في فيلم "ليلة في متحف"، كما أنه أدّى دور إرهابي في فيلم آخر. بعد ذلك، قرّر الابتعاد والتوقف عن التمثيل، ما لم يحصل على أدوار متنوعة تليق بإمكاناته، حيث لمع نجمه في سلسلةٍ تلفزيونيةٍ، أثارت إعجاب كثيرين بعنوان مستر روبوت. أبدع في تأدية شخصية صعبة غريبة، تعاني من فصام حصل بعده على الإقرار بقدراته الدرامية الهائلة، وأهله للحصول على هذا الدور الصعب الذي كان حلماً لممثلين كبار. وبشكل موضوعي محايد، ليس له أي علاقة باسباب قومية عروبية، ولوجه الفن، وما يضيفه للحياة القاحلة الجرداء، نفرح برامي ممثلاً استثنائياً، لديه القدرة على الاختلاف والتميز، وهو الذي يعد عشاق السينما بكثير من الجمال.
AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.