ليس الجولان أرضاً أسدية

ليس الجولان أرضاً أسدية

30 مارس 2019

مشهد من هضبة الجولان السورية (26/3/2019/فرانس برس)

+ الخط -
ذات تاريخ، احتلت فرنسا أرضاً ألمانية، فجمع رئيس أركان الجيش الألماني ضباطه وقال لهم: سنضع خطة لتحرير أرضنا الذي سنعمل من أجله دوماً، ولن نتحدّث عنه أبداً.
ذات تاريخ، قبل اثنتين وخمسين سنة، سلم حافظ الأسد الجولان لإسرائيل ببيان بثته إذاعة دمشق صبيحة يوم التاسع من يونيو/ حزيران، بعد أربعة أيام من نشوب حرب إسرائيلية عربية، لم يشارك "جيش البعث العقائدي" فيها بغير بضع قذائف مدفعية، أطلقها على مستعمرة شير ياشوف، وغارة جوية واحدة على شمال فلسطين، على الرغم من استغاثات جنرالات مصر وقيادة القوات العربية العليا، ومطالبة الأسد بشنّ هجمات جوية وبرية واسعة على العدوّ، الذي كان يكرّس كامل جهده الحربي لمصر، إلا أنه رفض الاستجابة لطلباتهم وأوامرهم، ورفض أيضاً تنفيذ اتفاقيتي دفاع مشترك بين مصر وسورية، عقدت أولاهما عام 1955، والثانية عام 1966، بدل أن يقاتل صف "أسد يهوذا" طيرانه على مدرّجات مطاراته، بانتظار قيام إسرائيل بتدميره عن بكرة أبيه، قبل أن يأمر جيشه بالانسحاب كيفياً من الجولان، بذريعة أن العدوّ احتل القنيطرة. ما إن سمع وزير الصحة عبد الرحمن الأكتع بيان الانسحاب، حتى اتصل بوزير الدفاع حافظ الأسد، ليبلغه أن العدوّ ليس في القنيطرة، ولا وجود له في منطقتها، فلاقاه "أسد يهوذا" بسيلٍ من الشتائم والتهديدات، وأمره "أن لا يتدخل في ما لا يعنيه"، كما كشف الرجل في ما بعد. في أعقاب هذه الفعلة الشنيعة التي يعرفها كل سوري، جمع حافظ الأسد ضباطه، وقال لهم: سنتحدّث عن الجولان دوماً، لن نعمل لتحريره أبداً.
ما إن تسلمت إسرائيل مفتاح الجولان: بوابة المشرق العربي الاستراتيجية، حتى أخذ النظام ينشر أكذوبة أن سقوط الأرض ليس هزيمة، وإنما الهزيمة هي سقوط النظام الذي سيتولى تحريرها، وما جرى في حزيران هو انتصار للنظام الذي فشل العدوّ في إسقاطه، وسيدفع ثمن فشله غالياً. وبالفعل لم يمض يوم، طوال نيف ونصف قرن، إلا ودفع العدوّ ثمن انتصاره هزائم كلامية ماحقة، من دون أن يزعج "الجيش العقائدي" مستوطنيه، أو يحول بينهم وبين الاستمتاع بشمس الأرض السورية المحتلة وهوائها وخيراتها، من دون أن يطلق رصاصة واحدة نحوهم منذ حرب تشرين 1973 التحريرية، التي لم يحرّر خلالها شبر واحد، بل خسر 660 كيلومتراً مربعاً، أضيفت إلى 1160 كيلومتراً مربعاً، هي مساحة ما سلمه حافظ الأسد في يونيو/ حزيران عام 1967. وبما أن مستوطني الجولان يتمتعون بأمن شامل، منذ اتفاقية فصل القوات عام 1974 التي أبعدت كتلة الجيش الرئيسة 15 كيلومتراً عن الحد الأمامي للجبهة، فقد كان رئيس وزراء إسرائيل الأسبق إسحاق رابين على حق، عندما عنف المستوطنين الذين طالبوه بحماية أمنية بالقول: أنتم هنا أكثر أمناً من سكان تل أبيب.
يرزح الجولانيون تحت الاحتلال لأن الأسدية تخلت عنهم، وإلا ما معنى أن تعيش بسلام مع الاحتلال خمسة وأربعين عاماً، بينما تشن الحرب على الشعب السوري بلا توقف ثمانية أعوام، من دون أن يطلق رصاصة واحدة على الجولان أربعين عاماً، كما قال نتنياهو في لقاء صحافي في موسكو؟
جاء حافظ الأسد بالاحتلال الإسرائيلي إلى الجولان ليأخذ السلطة، وجاء ابنه بالاحتلاليْن الروسي والإيراني، ليحافظ على سلطة أبيه. لذلك، لا يحق له التباكي على الجولان، لأن الجولان أرض سورية، يهمّ مصيرها شعب سورية وحده، وليس أرضاً أسدية يحق لمن أهداها للعدوّ، ولابنه الذي سلم بقية وطننا للإيرانيين ومرتزقتهم، ادعاء تمثيل الجولان، فهذه إهانة للسوريين: أصحابه الذين سيحرّرونه بعد أن يجلو عنهم الاحتلال الأسدي.

دلالات

E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.