عن المقاومة في الجولان

عن المقاومة في الجولان

30 مارس 2019

متظاهرون في القنيطرة ضد قرار ترامب بشأن الجولان(26/3/2019/فرانس برس)

+ الخط -
"المقاومة" مصطلح توافقت عليه معظم الآراء، بمعزل عن خلط بعضهم لها بـ"الإرهاب"، أنه "فعل يهدف لتحرير أرض أو التحرّر من سلطة أو حالة رفضية لقمعٍ أو ظلمٍ أو غيره"، غير أن المقاومات عموما في الشرق الأوسط اتخذت أبعاداً دينية، خصوصاً في ظلّ الصراع العربي ـ الإسرائيلي. وهو ما يعني حكماً أنه باسم هذا النوع من المقاومة، لن يكون في وسع أي مقاومةٍ أخرى، لادينية ومبنية على أسس عقائدية أو سياسية أو جغرافية، أن تنشأ. عليه، كيف يمكن تفسير دعوة الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، إلى "المقاومة في الجولان"؟ بديهيّ أن لا أحد يوافق على احتلال أرضٍ، فكيف إذا كانت تلك الأرض قد احتلّها الإسرائيليون، ممعنين دوساً بالقرارات الأممية، ومدعومين من الولايات المتحدة؟
في الواقع، فعل المقاومة مطلوب وضروري، بمعزل عن سلوكيات النظام السوري تجاه الجولان. هذا أمر آخر. أما بالنسبة لمفهوم "المقاومة"، بحدّ ذاته، فمسألةٌ مدعاة للنقاش. لا يمكن، بكل بساطة، الدعوة إلى فعل مقاومة، تحت راياتٍ دينية، بمعزل عن أكثرية طوائفية أو أقلية طوائفية. تنوّع المواطنين الساعين إلى المقاومة والمنتمين لمختلف المشارب والانتماءات السياسية والطائفية أمر صحّي، طالما أن ما يحرّكهم هو "عامل إنساني" وفعل "حقّ"، لا فكرة دينية أو مسار ديني. ذلك لأن التاريخ علّمنا أن انتصار المقاومة متعدّدة العناصر مدخل إلى صراع داخلي، باسم "الثورة تأكل أولادها" أو "المقاومة تأكل أولادها"، يؤدي إلى تطاحنٍ ديني ـ فكري، يطيح مكتسبات أي مرحلةٍ سالفة، ويؤسس لدورة دموية في حياة العناصر التي قاومت، مليئة بالعنف والتفكك السياسي والاجتماعي، الذي يمنع تطوّر الشعوب. إذاً، الأمر متعلق بمفهوم المقاومة تحديداً، وهو أمر غير مرتبط بالغرب أو الشرق، بل متعلقٌ بالبيئة المحيطة في مرحلة ما بعد الانتصار. بالطبع، ستحكم هذه الفئة باسم الدين، ولا شيء غيره. مسألة فيها نظر.
وبعد، ينطلق فعل المقاومة، بحدّ ذاته في سورية، من محطة جوهرية: روسيا. فهل موسكو التي ساهمت في إبعاد القوات الإيرانية أكثر من 140 كيلومتراً عن الجولان نحو الشرق، مستعدة لفتح جبهة استنزافية جديدة؟ طبعاً لن تقبل روسيا بشيشان أخرى تدمّرها، كما فعلت حرب الشيشان الأولى (1994 ـ 1996). ففي 23 سبتمبر/ أيلول الماضي، أفاد المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، اللواء إيغور كوناشينكوف، بأن "بلاده ساهمت في إبعاد المليشيات الموالية لإيران مع سلاحها الثقيل مسافة 140 كيلومتراً عن مرتفعات الجولان باتجاه الشرق، وأنه تم سحب 1050 عنصراً و24 راجمة صواريخ و145 وحدة من الأسلحة الأخرى والتقنيات العسكرية". وأوضح أن "موسكو أجرت مشاوراتٍ مع طهران، صرّحت إيران خلالها بأنها لا ترى من الصواب تأجيج الأوضاع في المنطقة، وأنها لا تحمل نوايا عدوانية تجاه إسرائيل". كما أعلن في ذلك الحين أن "الشرطة الروسية نشرت حتى الآن ست نقاط مراقبة على طول خط (برافو) الفاصل بين الجولان المحتل والقنيطرة، وذلك لتوفير الأمن لقوات حفظ السلام الأممية".
بالتالي، هل يمكن تجاوز روسيا في أي مشروع لـ"تحرير الجولان"؟ بالطبع، مخطئٌ من يعتقد أن موسكو هي حارسة "محور الممانعة". لا يمكن للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن يحيط نفسه بيهود روس يوالون الإسرائيلي، تحديداً كارتل النفط والغاز هناك، ثم يتبنّى مفهوماً عسكرياً لـ"إزالة إسرائيل من الجولان". يكفي أن الغارات الإسرائيلية على مواقع لقوات النظام السوري والإيرانيين وحزب الله في سورية استمرت، وجديدها ليل الأبعاء ـ الخميس، على الرغم من السيطرة الجوية للروس على السماء السورية.
صحيح أن ما فعلته الولايات المتحدة بـ"الاعتراف بسيادة اسرائيل على الجولان" أمر عبثي، إلا أن فعل المقاومة يجب أن ينطلق أصلاً من فكرة "تحرير الإنسان في الجولان"، لا ربط الأمور بمفاهيم دينية.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".