ماذا بعد في جعبة ترامب؟

ماذا بعد في جعبة ترامب؟

27 مارس 2019
+ الخط -
مع انتهاء المحقق الخاص، روبرت مولر، من تحقيقاته التي جاءت بنتائج عكس ما توقعه كثيرون، بتبرئتها ساحة حملة ترامب الانتخابية من تهمة التواطؤ مع روسيا في انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016، سوف ندخل، على الأرجح، مرحلة جديدة، قد تكون الأسوأ في ولاية ترامب التي يأمل كثيرون أن تكون وحيدة. وإذا كانت سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب تحد من قدرة الرئيس على الحركة في قضايا السياسة الداخلية (على الرغم من أن هذا أيضًا نسبي، كما تبين بعد أن استخدم ترامب الفيتو لنقض قرار الكونغرس إلغاء حالة الطوارئ التي كان فرضها للحصول على موازنة من وزارة الدفاع لبناء الجدار الحدودي مع المكسيك)، فإن حرية ترامب في السياسة الخارجية سوف تكون على الأرجح منفلتة، وقد تؤدّي إلى تغييرات كبيرة ودائمة فيها.
هذا التوجه مستمر منذ وصول ترامب إلى الحكم مطلع عام 2017، لكنه يصبح أكثر وضوحا كلما اقتربنا من موعد الانتخابات الرئاسية أواخر العام المقبل، من ذلك مثلا توقيع ترامب يوم أول من أمس، الاثنين، قرارا يعترف فيه بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان المحتلة. ويعد هذا القرار تراجعا كبيرا عن سياسةٍ أميركيةٍ عمرها أكثر من نصف قرن، وتعد الجولان أرضا سورية محتلة. وكانت الولايات المتحدة أيدت جميع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، مثل القرار 242 لعام 1967، والقرار 338 لعام 1973، والقرار 497 لعام 1981، وهذا الأخير يعد قرار الكنيست الإسرائيلي ضم الجولان لاغيًا وباطلاً. وقد وافق عليه مجلس الأمن حينها بإجماع أعضائه الـ 15. واقع الحال أن الرئيس ترامب يضع بقراراته الأخيرة الخاصة بالصراع العربي - الإسرائيلي نهاية لعملية السلام التي بدأتها الولايات المتحدة في مدريد عام 1991، اذ لم يعد، بسببها حاجة لأي مفاوضات. وكان ترامب اعترف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال في ديسمبر/ كانون الأول عام 2017، ونقل السفارة الأميركية إليها في مايو/ أيار 2018، ثم أوقف بعد ذلك تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وطالبها بإعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني، في خطوةٍ غايتها إلغاء حق العودة لملايين الفلسطينيين، والذي نص عليه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لعام 1948.
لا تعني هذه الإجراءات الترامبية تغييرا كبيرا في السياسة الأميركية تجاه الصراع العربي - الإسرائيلي فحسب، بل تدخل أيضا تغييرات عميقة على الموقف الأميركي من الأمم المتحدة التي أنشأتها واشنطن بعد الحرب العالمية الثانية، ومن القانون الدولي. فهذه هي المرة الأولى التي تخرق فيها الولايات المتحدة قراراتٍ صادرة عن مجلس الأمن بشكل صريح ومباشر. وقد اعتادت واشنطن أن تمنع صدور قراراتٍ عن مجلس الأمن، إذا كانت تتعارض مع مصالحها أو مواقفها من القضايا والشؤون الدولية، من خلال استخدام حق النقض (الفيتو)، لكنها عندما تسمح بصدورها فإنها تلتزم بها عموما، وإن كانت لا تضع ضغوطا كافية لتنفيذها، إلا إذا كانت مصالحها تقتضي ذلك، كما فعلت في الحرب الكورية (1950- 1953) وحرب تحرير الكويت (1991).
لقد أبدى الرئيس ترامب، خلال السنتين الماضيتين، استعدادا غير محدود لتسخير السياسة الخارجية الأميركية لخدمة مصالحه الشخصية والانتخابية، من تعامله مع ملف كوريا الشمالية إلى الأزمة الخليجية إلى قضايا الهجرة، واتفاقات المناخ والتجارة الدولية. وباعترافه بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، وقبلها القدس، يحاول ترامب كسب الصوت اليهودي في انتخابات 2020، علما أن 20% فقط من يهود أميركا صوّتوا له في انتخابات 2016. كما يهدف ترامب إلى رص صفوف اليمين المسيحي (الإنجيليين خصوصا المتعصبين في دعمهم إسرائيل). وهو بتقديمه هذه المكافآت المجانية لنتنياهو، يحاول أيضا مساعدة الأخير في كسب انتخابات الكنيست المقرّرة في التاسع من الشهر المقبل. وسوف يرد نتنياهو هذه الخدمة في انتخابات 2020 عندما يحاول حشد يهود أميركا وراء ترامب. لقد تحولت الجولان، وقبلها القدس، إلى مادة لخدمات انتخابية متبادلة بين إسرائيل وأميركا، لسبب بسيط، هو أنها لا تكلف شيئًا، ولا حتى بيان إدانة أو استنكار عربي من نوع تلك التي اعتدنا التندّر بها فيما مضى، وأصبحنا لفرط هواننا لا نطاولها اليوم، فماذا يُخرج ترامب من جعبته تالياً؟