"داعش" أم الجولان؟

"داعش" أم الجولان؟

25 مارس 2019
+ الخط -
صدر عن الكنيست الإسرائيلي في 14 ديسمبر/ كانون الأول 1981 ما سمي "قانون الجولان"، وهو قرار ضم الجولان، حيث تم بموجبه "فرض القانون والقضاء والإدارة الإسرائيلية على الجولان"، نجم عنه دوليًا أن أصدرت هيئات الأمم المتحدة قراراتٍ عديدة، بخصوص المنطقة، كان أهمها قرار مجلس الأمن رقم 497 في تاريخ 17 ديسمبر/ كانون الأول 1981، اعتبر فيه أن قرار إسرائيل ضم الجولان ملغي وباطل، وليس له أي أثر قانوني على الصعيد الدولي، وطالب مجلس الأمن إسرائيل بإلغاء قرارها فوراً. عدا القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومنها القرار 36-147 في 16/12/1980 الذي دان إسرائيل لمحاولاتها فرض الجنسية الإسرائيلية بصورة قسرية على المواطنين السوريين في الجولان. ولكن إسرائيل تضرب عرض الحائط بكل القرارات الدولية، وهي ماضيةٌ في مشروعها الرامي إلى تهويد فلسطين والأراضي التي احتلتها بشكل كامل. قامت بتهويد الجولان بتغيير أسماء المناطق والأماكن، وفرض منهاج تدريسي على السكان الذين بقوا في أرضهم، وعملت على إبراز التاريخ الديني واليهودي في كتب التدريس، وتجاهل التاريخ العربي والإسلامي، واعتماد المناسبات والأعياد اليهودية والإسرائيلية أيام عطلة رسمية في المدارس، والمؤسسات الخدمية المعنية. وقد أعلن السوريون إضرابا عاما ومفتوحا حتى تتحقق مطالبهم، اعتبارًا من 14/ 2/ 1982. ثم دأبت القيادة السياسية في سورية على إحياء هذه الذكرى كل عام في أحد المواقع المقابلة لبلدة مجدل شمس المحتلة، يؤكد المشاركون فيه "أن الجولان أرض عربية سورية، وهي جزء لا يتجزأ من السيادة الوطنية السورية، وسيبقى سوري الهوية واللسان والأرض رغم كل الممارسات العنصرية الصهيونية الرامية لتهويده وضمه إلى الكيان الصهيوني". وفي احتفال هذا العام إحياء لانتفاضة السوريين في الجولان 
رفضًا لقرار الضم والتهويد، قال عضو في قيادة فرع القنيطرة لحزب البعث العربي الاشتراكي إن سورية ستنتصر على الإرهاب وداعميه، لافتاً إلى "أن السوريين اليوم أكثر إصرارًا وعزيمة على استكمال تحرير أراضيهم المغتصبة بما فيها الجولان المحتل بهمة الجيش العربي السوري وصمود شعبه".
ولكن الواقع السوري الحالي يجعل كل سوري محترق بنيران الحرب يزداد وجعًا على وجع، وهو يرى أن "السلخ" قائم على قدم وساق في جلد الوطن وجسده، ولم تعد شعاراتٌ من هذا القبيل تثير في نفسه غير اليأس والإحباط والاستخفاف وعدم التصديق، وهو يرى بلاده وقد أنهكتها الحرب، وأن جيش الوطن لم يعد قادرًا على حماية الوطن، بعد أن وجه سلاحه إلى الداخل، واستنزفته الحرب في بلده، وأن سورية صارت مناطق نفوذ ترفرف في سمائها أعلام كثيرة.
صرح الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي يعتلي منبر "تويتر" أكثر ما يعتلي أي منبر في بيته الأبيض، بأنه "حان الوقت لتعترف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على الجولان"، وقال: "فكرت في القيام بذلك منذ فترة طويلة. وهذا كان قرارًا صعبًا بالنسبة لكل الرؤساء (الأميركيين)، ولم يقم أي واحد منهم بذلك، وهذا يشبه مسألة القدس، وأنا قمت بذلك". ولم يختلف ترامب عن سابقيه إلاّ بجرأته التي يعرف كيف يلعبها، فالسياسة الأميركية طالما كانت منحازة إلى إسرائيل، وساعية إلى دعمها والحفاظ على أمنها كما يصرّحون، ويعرف أيضًا أن القنابل الصوتية تفعل فعلها، خطوة أولى وأساسية، فهي تشحن العواطف والانفعالات، وتمتص الصدمة الأولى، بينما هو ماضٍ في تحقيق مشروعه، وليس قراره إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارته إليها، بعيداً عن هذه الممارسة.
سبقه قبل ذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي، مناحيم بيغن، عندما أقر الكنيست قرار ضم الجولان في العام 1981 في التعويل على صدى القنابل الصوتية هذه أمام الكنيست، بالقول: "كل ردود الفعل العالمية والعربية على قرار إسرائيل بضم الجولان ستقتصر على الشجب والصراخ الذي سيزول بعد فترة قصيرة جدًا". ولن يكون الواقع أكثر من ذلك، كما يعرف ترامب تمام المعرفة، ولذلك تراه يعمل بجرأةٍ تصل إلى حدّ الاستهتار بالرأي العام العالمي، وتحرج الدول التي سبق وأن اتخذت قراراتٍ سابقة بشأن مواضيع قنابله الصوتية، فماذا سيقدّم العالم تجاه قضية الجولان، وضمها أكثر من التنديد والشجب بتصريحات وتعابير مطاطة متباينة اللهجة؟ مثال عليها قول المتحدثة الخارجية البريطانية إن "ضم الأراضي بالقوة أمر محظور بموجب القانون الدولي، بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة". وأضافت: "لم نعترف بضم إسرائيل الجولان عام 1981 ولا خطط لدينا لتغيير موقفنا"، فهل سيبقى الموقف مبدئيًا؟ وماذا ستقدم بريطانيا التي قدمت للصهاينة وطنًا قبل مائة عام على حساب أصحاب الأرض، وغيرها أكثر مما قُدّم في مجلس الأمن والجمعية العامة قبل ذلك، وما صدر من قراراتٍ لم تلزم الحكومة الإسرائيلية بشيءٍ، بل استمرت بمشروعها الاستيطاني وإصرارها على يهودية الدولة وبناء المستوطنات؟ وماذا ستقدّم إيران، على الرغم من شعارها الكبير الرامي إلى القضاء على إسرائيل؟ أو تركيا أو روسيا؟ كلهم يديرون حرب مصالحهم على أرض سورية ويتقاسمونها.
ليست القضية تغريدة للرئيس الأميركي، بل هي قرار بدأه برمي قنبلته هذه، فبعض التصريحات لمسؤولين في الإدارة الأميركية تقول إنه يجري حاليًا الإعداد لوثيقة رسمية حول اعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على الجولان، يمكن أن تصدر قريبًا، بتوقيع الرئيس الأميركي، يرفعها أمام الكاميرا بكل ثقة واعتزاز، تحمل توقيعه المعقد. ماذا في وسع سورية أن تفعل، ليس فقط لأنها بلد أنهكته الحرب، وأنها صارت مقسّمة إلى مناطق نفوذ وولاءات، 
وأن تقرير مصيرها لم يعد بيد الشعب السوري المنقسم أساسًا على نفسه، والموزّع خلف زعاماتٍ مرتبطة، بل أيضًا لأنها بدون حاضنة عربية، فالدول العربية تمر في أصعب مراحلها، ومنقسمة فيما بينها أيضًا، ولم تعد إسرائيل البوصلة. وفي حال غياب موقف عربي واضح وقوي، سوف تسعى "إسرائيل" إلى كسب هذا الاعتراف، وسوف تناله من الأميركيين، لأنهم ذاهبون في دعم الاحتلال إلى أبعد مدى. صارت هناك أولويات في العداء، تختلف بين منطقة وأخرى على امتداد هذه "الأمة" التي يبدو من الصعب، أو شبه المستحيل، أن تكون أمةً بحق. وفي المقابل، هناك تحالفات تنجم عنها. وقد عقّدت التغيرات الإقليمية الحاصلة في السنوات الأخيرة المشهد السياسي في المنطقة، وأصبحت الملفات متداخلة، وأصبح الوضع بين سورية وإسرائيل مرتبطًا بشكل وثيق بالظرف الإقليمي، الناجم عن الصراع بين الولايات المتحدة وإيران، بل بين سورية ودول عربية لا ترى في إسرائيل عدوها الأول، بل إيران، وتعقد العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة بسبب قضية الأكراد، وروسيا التي رمت، بكل ثقلها، في الحرب السورية، في دعمها النظام وحمايته من السقوط من دون أن تتجاهل وجود إسرائيل، صاحبة الشروط الخاصة بدعوى تحقيق أمنها الذي يهدّده الوجود الإيراني في سورية، بحسب ادعائها، ومبرّر قصفها مواقع في سورية، تقول إنها تابعة لإيران.
مؤلمٌ أن يُنهي السوريون في الجولان بيان دعوتهم إلى الانتفاض في 13 فبراير/ شباط 
1982 بهذه العبارة: "إخوتنا في الكفاح، يقع على عاتقكم اليوم الوقوف بجانبنا بكل ما لديكم من إمكانات، وليعلم الجميع أن الأمور قد وصلت إلى حالةٍ لا تسمح لأحد بالوقوف متفرجًا أو محايدًا"، فهذا الشعب "السوري" منهك حتى النخاع، ولم يعد قادرًا على الوقوف إلى جانب نفسه، أنهكته حروبه الداخلية والخارجية، وليس من المستغرب أن تتزامن تغريدة ترامب مع إعلان القضاء الجغرافي على تنظيم الدولة الإسلامية، التنظيم المافيوي الذي لم يكن ليكون دولةً في أي يوم، لكنه استحدث ليكون الراجمة الشيطانية التي رموها ومدّوها بكل أنواع الدعم، لتقوم بتدمير المجتمع والوطن السوري. "داعش" أخطر من أن يكون دولة، فالدول لا تقوم هكذا بدون إرادات دولية، واعتراف دولي، وتعاون مرحلي واستراتيجي. ولم ينته الاستثمار به بعد، صحيحٌ أن القضاء عليه جغرافيًا، وربما عسكريًا، قد أنجز، وهذا جيد في المحصلة، لكن فاتورته كانت نزيف دم وأرواح بشرية، غالبيتهم من المدنيين، لكن الذريعة والطريقة والمآلات المرتقبة تجعل السوري يرتاب أكثر، ويدخل في ضبابية مقلقة، فالمصير لم يعد بأيدي السوريين، والعملية السياسية المرجوّة لا يمكن التكهن بنتائجها، طالما أنها مرتبطة بالإرادات الخارجية، وليست بيد السوريين، و"داعش" ما زال على شكل طرود جاهزة لتفجير معارك في كل حين، والجولان رهينة إرادة سلخه النهائي عن جسم سورية، وسورية الباقية مقسمة في الواقع اجتماعيًا وجغرافيًا وسياسيًا، ولكل قسم زعاماتُه التي تقرّر مصيره.