ماذا وراء الأكمة؟

ماذا وراء الأكمة؟

24 مارس 2019
+ الخط -
تدخل منطقة القرن الأفريقي ضمن المجال الحيوي لدول الخليج العربي، ذلك أن 70% من صادرات النفط تمر عبر باب المندب والبحر الأحمر. وعليه، كان لزاماً على دول الخليج العربي تأمين هذا الشريان البحري الاستراتيجي، حيث تصدّت الإمارات، ومن ورائها السعودية لهذه المهمة، وعملت، عبر شركة موانئ دبي الدولية، على إيجاد موطئ قدم لها في منطقة الساحل الأفريقي. البحث في الأسباب والدوافع وراء هذه الرغبة الجامحة لدى القيادة الإماراتية في السيطرة على هذه المنطقة، يقودنا إلى الحديث عن التجاذبات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط ومحاور القوى فيها، إذ سعت السعودية إلى تطويق تمدّد النفوذ الإيراني في المنطقة، ناهيك عن الأزمات التي تمر بها البلدان العربية، وفي مقدمتها الأزمة الخليجية مع قطر، إذ باشرت هذه الدول عمليات استقطاب لدول القرن الأفريقي والقوى الفاعلة بها، لتحويلها إلى بؤرة صراع وتصفية حسابات، بالإضافة إلى فشل ما يسمى التحالف العربي في حربه الظالمة على اليمن الجريح.
كما يظهر هذا السلوك السياسي رغبة القيادة السياسية الإماراتية في الخروج من القوقعة الخليجية وإثبات الذات، وانخراط الإمارات في الحرب على الجماعات الإسلامية، وخصوصا جماعة الإخوان المسلمين. أما اقتصادياً، فتهدف هذه السيطرة الإماراتية إلى إبقاء أبوظبي خارج المنافسة، وتحجيم الموانئ الإقليمية التي تدخل تحت إدارتها، حتى لا تزاحم دبي بوصفها مركزا عالميا للتجارة والأعمال والخدمات.
عملت الإمارات والسعودية على بسط نفوذهما في هذه المنطقة، من خلال إقامة علاقات دبلوماسية واستثمارية متميزة مع دول المنطقة، حيث قدمتا القروض، ودعمتا المشاريع الإنسانية، وتبرّعتا لمؤسساتها وموّلتا مشاريع عديدة للبنية التحتية في جيبوتي وإريتريا والصومال وإثيوبيا، وحتى في كينيا وأوغندا. كما حصلت شركة موانئ دبي العالمية على تفويض لإدارة موانئ وممرات بحرية عديدة (ميناء بربرة مقابل 442 مليون دولار، ميناء عصب الأريتري، ومرفأ دواليه في جيبوتي، ميناء بوصاصو بمقدشيو مقابل 336 مليون دولار). والعقد الأخير وُقع من دون موافقة الحكومة المركزية، الأمر الذي دفع المفوضية الأفريقية إلى التعبير عن قلقها إزاء التدخل الخارجي الإماراتي، وأثره على استقرار الصومال. =أكثر من ذلك، عملت الإمارات، عبر شركة موانئ دبي العالمية، على بناء مراكز لوجستية في رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ووقعت الإمارات اتفاقيات حول الزراعة والأمن مع أوغندا وإريتريا. وقد أقامت لها قاعدتين عسكريتين، في عصب على الساحل الإريتري، وبربرة على خليج عدن في سواحل "أرض الصومال" غير المعترف بها.
وتعمل السعودية على استغلال البعد الديني، ونشر الدعوة الوهابية، وإقامة المدارس والمؤسسات التعليمية وتمويلها، فضلاً عن تقديم مساعدات لتفعيل قوة الساحل الإفريقي G5 بمبلغ 130 مليون يورو، وإقامة قواعد عسكرية لها في إريتريا في سنة 2015. كما أنّ حصول السعودية على جزيرتي تيران وصنافير المصريتين، عزّز من نفوذها في البحر الأحمر، خصوصا أن مضيق تيران هو الممر البحري الوحيد للشحن إلى ميناء العقبة الأردني، وكذلك الميناء الإسرائيلي، إيلات، في تراجع واضح للدور المصري في المنطقة في مقابل بروز الدور السعودي.
يظهر على المدى المنظور أنّ الإمارات والسعودية تسعيان إلى تطويق الأزمة اليمنية، والحيلولة دون حدوث تغييرات في الجغرافيا السياسية، بسبب التمدد الإيراني واستقواء الحوثيين، فهما تعملان وفق استراتيجيات استباقية، لاحتواء التهديدات المحتملة للقوى الإقليمية من جهة، وتمهيد وتهيئة الطريق أمام صفقة القرن من جهة أخرى.
0BAAD809-A5FD-4BAC-BD69-7DE2B92D0241
0BAAD809-A5FD-4BAC-BD69-7DE2B92D0241
محمد حيماد (المغرب)
محمد حيماد (المغرب)