أنا وفراس السواح ورفعت الأسد

أنا وفراس السواح ورفعت الأسد

24 مارس 2019

(محمد العامري)

+ الخط -
قلما يلتقي الإنسانُ في عالم فيسبوك بإنسانٍ قادر على قراءة فكرة مجرّدة، مستقلة بذاتها، والتعليق عليها، من دون الذهاب إلى فكرة أخرى وموضوع آخر. من هنا، أرى أن الكتابات الفيسبوكية تشبه حكاية الرجل الذي كان يجلس مع زوجته، "جلسة صفا"، وفجأة اكفهرَّ وجهُه، وارتجفت شفتاه، وراحت فتحتا منخاره تنفتحان وتنغلقان، ورفع يده وهوى بها على وجهها بصفعةٍ غيبتْ صوابها. وعندما استفاقت الزوجة المسكينة من هول الصفعة، سألته عن السبب فقال لها: لأنك، الصيفَ الفائت، أضعتِ المنجل في أثناء الحصاد.
من تجربتي في هذا المجال أنني استنكرتُ، قبل أيام، العملَ الإجرامي الذي ارتكبه إرهابيٌّ يحمل الجنسية الأسترالية، بحق مدنيين مسلمين أبرياء كانوا يؤدون صلواتهم في أحد مساجد نيوزيلندا.. فتعرّضتُ، نتيجة لذلك، لتعليقات استفزازية تتعلق بأفكار كنتُ قد كتبتُها قبل الحادثة بقليل.
أولُ التعليقات أحالني إلى مشاحناتٍ أعقبت تصريح الباحث السوري، فراس السواح، قبل أشهر، بأن حجاب المرأة يدل على التخلف. يومها، قامت عليه القيامة، وفار التنور، واتهموه بالعنجهية والعنصرية والتشبيح للنظام في سورية، إلى آخر ما هنالك من مترادفات. ولعلَّني قد أضفت للطين بلة، حينما أكدتُ، في منشور مستقل، أن ما قاله فراس السواح عن فكرة الحجاب والتخلف صحيح، فانتقلت المعركة إلى صفحتي الشخصية، وسارع أحدُ المعلقين إلى نشر صورة لي مع زوجتي التي ترتدي الحجاب، وقال لي بلغة المصارع الذي تمكّن من تثبيت كتفي خصمه: طالما أن الحجاب، برأيك، دليل تخلف، لماذا لا تمنع زوجتك من ارتدائه؟ فكتبتُ له: ببساطة، أنا لا أنزع حجاب زوجتي أو غيرها، لأنني لستُ رفعت الأسد. مشيراً إلى ما فعله رفعت الأسد بطالبات جامعة دمشق في أوائل الثمانينيات.
ومع أن فراس السواح حذف ذلك البوست من صفحته، إلا أن المناقشات الحادة بشأن فكرته لم تتوقف، وكان أبرز الاتهامات: العنصرية. من جهتي، استطعت أن أمتلك هدوءا كثيرا في مناقشة هذه الأفكار، فقلت إن شروط العنصرية لا تنطبق علينا، فراس وأنا، لأننا ننتمي إلى القومية ذاتها (عربيان)، والدين ذاته (مسلمان)، والمذهب ذاته (سُنِّيَّان)، وأضفتُ أن الذين زعلوا من صفة التخلف ليسوا على حق، لأنها هنا تقال للتوصيف، وليس للإهانة، والأمة المتخلفة نحن، كلانا، ننتمي إليها، ومن ثم فإن كلامنا لا ينطوي على أي فوقيةٍ أو تعالمٍ أو كراهية.
وتطور الأمر، يومئذ، إلى حد أن أحد المعلقين كتب أن الحجاب لم يكن أساساً من الإسلام، فأجدادُنا، في الجاهلية، كانوا يُجبرون المرأة الأمَة (العبدة) على ارتداء الحجاب، ليسهل تمييزها عن المرأة (الحرة) التي تخرج سافرة. كتبتُ له: نعم. إذا كان هناك مثال واضح عن التمييز العنصري، فلن يوجد أفضل من هذا المثال.
التعليق الثاني كان عن حكم الإعدام. نعم، يا سيدي، قبل وقت قليل، وبالمصادفة المحضة، كتبتُ أن الدول المتحضرة ألغت، أو في طريقها إلى إلغاء، حكم الإعدام، بينما تتمسّك الدول المتخلفة به، مثلما يتمسّك الغريق بقشةٍ وجدها طافيةً على سطح الماء. ولهذا عاجلني أحد أصدقاء صفحتي بالسؤال: وما رأيك بهذا المجرم الإرهابي الذي قتل خمسين إنساناً بريئاً في نيوزيلندا؟ هل نكتفي بسجنه؟
هنا يستطيع الإنسان أن يفهم لماذا يتمسّك الناس المظلومون، كارهو القتل والجرائم، بحكم الإعدام. يريدون أن يقتصوا من القاتل، ويجعلوه عبرة للآخرين. لا يفكرون، وأعتقد أن قسماً كبيراً منهم لا يريد أن يفكر بأن حكم الإعدام في البلدان المتخلفة ذات الحكم الديكتاتوري يُنَفَّذُ فيهم فقط. والمثال أمامكم أشد وضوحاً وسطوعاً من الشمس: حافظ الأسد وابنه والطغمة الحاكمة في سورية أعدمت، بطرق مختلفة، مليونين من البشر خلال نصف قرن، بينما لم يتمكّن المدافعون عن حكم الإعدام من إعدام مجرم واحد.
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...