عمر أبو ليلى.. ضربة أخرى

عمر أبو ليلى.. ضربة أخرى

22 مارس 2019
+ الخط -
عقب العملية الفدائية المدهشة التي نفَّذها الفتى الفلسطيني، عمر أبو ليلى، قرب مستعمرة أرئيل، قبل أيام، كانت أولى ردّات فعل المستوطنين الذين وجدوا هناك: "الحياة هنا مرعبة". ولم يتمكَّن الاحتلال من أبو ليلى، إلا بعد تجنيد ثلاثة أجهزة أمنية، وهي المخابرات الداخلية (الشاباك) والشرطة في وحدة مكافحة الإرهاب، والجيش، كما صرّح رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو.
وقد تعالت الأصوات التي تنتقد أداءَ الجنود الذين لم ينجحوا، حتى في فتح النار على أبو ليلى، الفتى الذي لم يتجاوز العشرين عاما، وغير المعروف بعلاقته بأيِّ تنظيم فلسطيني مقاوم، وفُتِح تحقيق أظهر أنَّه لم يكن لدى الجنود الوقت للردِّ على خطف عمر سلاح الجندي الإسرائيلي، واستخدامه ضدّ الجندي الذي قُتِل، والمستوطنين، فقد نجح في الانسحاب من المكان، قبل أن يتهيَّأوا للردّ عليه.
ولدى تحديد جيش الاحتلال البيت الذي يؤوي الشهيد أبو ليلى، في قرية عبوين قرب رام الله، اشتبك معهم، بقوَّاتهم الكثيرة، المدجَّجة التسليح، اشتباكا عنيفا، ولم يتمكَّنوا منه، إلا بعد هدم البيت بصواريخ لاو. ثم خرج نتنياهو مفاخرا، بهذا (الإنجاز)، أو ربما قاصدا التخفيف من وقْعِ الضربة التي تلقَّاها، لا مستوطنو الاحتلال، فقط، ولكن جيشه أيضا، المفترَض أنه لبثّ الشعور بالأمن لدى المستوطنين في الضفة الغربية.
ويدلّ على الأثر المعنوي البالغ الإحباط الذي تركته العملية في كيان الاحتلال، ككل، التخبُّط في الإجراءات المستقبلية، ومن ذلك شروع الاحتلال في وضع غرف محصَّنة لجنوده على 
الحواجز العسكرية والمفترقات الرئيسية، بعد أن زادت عملياتُ الطعن، وإطلاق النار التي ينفّذها مقاومون فلسطينيون في الضفة الغربية، أو لنقل، بعد شعور الاحتلال، أو قناعته، بأنَّ كلَّ التدابير السابقة لم تعد كافية، وأنَّ كفاءة جنوده القتالية والمعنوية غيرُ مضمونة. ثم تراجعه عن ذلك، كما ذكرت القناة السابعة التابعة للمستوطنين، نقلا عن جيش الاحتلال، بأنَّ الجيش تراجع عن إقامة الغرف المحصَّنة، وأنَّ ذلك التراجُع أتى بعد ضغوط كبيرة مُورست عليها للامتناع عن هذا الإجراء؛ لأنه سيُفَسَّره دفاعا مُفْرِطا ضدَّ العمليات الفلسطينية. وقال نفتالي بينيت، رئيس حزب "اليمين الجديد"، وهو عضو في المجلس الوزاري المصغَّر (الكابينت): "إن قرار مؤسسة الدفاع، بعد عمليات القتل في يهودا والسامرة، بوضع الجنود في مخابئ، مشين. هكذا لا ننتصر على الإرهاب".
وقد جاءت العملية البطولية في وقتٍ تزداد فيه الاعتداءاتُ الاحتلالية على المسجد الأقصى، وعقب صدور قرارٍ عن محكمة الصلح الإسرائيلية، بتمديد إغلاق مُصلَّى باب الرحمة في المسجد الأقصى 60 يوما، في محاولةٍ من الاحتلال تتزامن مع محاولات إسرائيل تكريس سيادتها على المسجد الأقصى، وإخضاعه لمحاكمها. كما جاءت في أعقاب تزايُد اعتداءات المستوطنين على شوارع الضفة الغربية، وفي داخل بلدات وقرى فلسطينية.
ووقعت عملية عمر أبو ليلى في ظروف فلسطينية داخلية، يُفترَض أنها غيرُ مساعدة، تتمحور 
حول الصراع بين حركة فتح، أو السُّلطة الفلسطينية في رام الله، وحركة حماس، وحكومتها في غزة، حيث يواجه كلٌّ مِن المشروعين المتناقضين مشروع الحلول السِّلْمية، ومشروع المقاومة، أزمةً حقيقية، باتت نتائجُها تهدِّد مقوِّماتِ الصمود في وجه المحاولات الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية، وفي أجواء صراع فلسطيني داخلي، خُشِيَ أن يصرف الشعب الفلسطيني، أو كثيرين من أبنائه، عن المحتلّ الذي يسارع الخَطْوَ، نحو تهويد القدس، وإحكام السيطرة على الضفة الغربية، لكنّ هذه العملية، على فرادتها، وفرديّتها، جعلت المستوطنين الذين تُقدَّم لهم الإغراءاتُ العديدة للعيش في الضفة الغربية، ينتبهون ثانية، جعلتهم يقولون: "إن العيش هنا مرعب".
وتحدث هذه العملية الناجحة، على الرغم من عدم انقطاع التنسيق الأمني بين أجهزة السلطة الفلسطينية والاحتلال. وفي هذا رسالة واضحة إلى ما يمكن أنْ تؤول إليه الأحوالُ في الضفة الغربية، إذا تمّ المساسُ بالوضع الحالي للضفة الغربية، سواء كان هذا التغيير مُفضِيا إلى تقويض السلطة الفلسطينية، كما قد تفضي سياساتُ اليمين العنصري الإسرائيلي، أو إن كان بالانسحاب الأُحادي من الضفة الغربية، كما كان لوَّح الجنرال بني غانتس رئيس قائمة " كاحول لفان" المنافس لنتنياهو في الانتخايات النيابية الإسرائيلية، فلا الوضع الحالي للضفة الغربية والقدس قابل للاستمرار إلى الأبد، كما قد يحبُّ نتنياهو، (ومَن على يمينه)، أن يتوهَّم، ولا الخيارات الاحتلالية الأخرى، بأقل خطورةً ومجازفة.