اسم الإرهاب

اسم الإرهاب

22 مارس 2019
+ الخط -
تفتح الجريمة الإرهابية في نيوزيلندا ضد المسلمين أبواب الحديث، بصوتٍ عال، عن الإرهاب ومرجعياته الثقافية. وتشكل مناسبةً لإخراج مسألة الكراهية من إطار التعميم، ووضعها في نصابها الصحيح، بوصفها قضية كونية، تتطلب موقفا موحّدا قبل أن تستفحل. وبات من المسلم به أن الإرهاب ليس حكرا على عرقٍ، أو دين، دون سواهما، ولم تعد هناك فوارق في الشكل، ولا في المضمون. والملاحظ اليوم تنامي منسوب القتل المادي الذي يستهدف الأبرياء في كل مكان، سواء كان هؤلاء من مواطني الغرب أو الشرق.
هذا السلاح القذر موجّه نحو الآخر، لأنه مختلف دينيا أو عرقيا، وهو غير مجرّد من حمولةٍ فكرية، تشكل إطارا نظريا يقوم على ثقافة الكراهية التي صارت تتغذّى من أطروحات فكرية رجعية وظلامية، ونظريات عنصرية، وخطابات سياسية واجتماعية. واللافت أن دعوات الكراهية لم تعد قاصرةً على الهامشيين والعنصريين، وإنما يعتنقها ويروجها مسؤولون كبار وفلاسفة وروائيون ورؤساء أحزب شعبوية تشغل مساحات واسعة في البرلمانات الغربية، وصارت لهذه الثقافة منابر إعلامية، ومؤسسات تروّج حرب الحضارات، وتشتغل من أجل تدمير كل ما هو مشترك وإنساني بين الشعوب والحضارات والأديان التي تعايشت عبر التاريخ، وفي كل مكان من الشرق والغرب.
ومن الهام جدا اليوم الاعتراف بأن الإرهاب يتغذّى من بعضه، ويسعى أصحاب هذا المنهج الشرير إلى جر العالم نحو حروبٍ مفتوحةٍ على أساس أن الإرهاب هو الرد على الإرهاب، وهذا منتهى العدمية، وبداية الطريق إلى جنونٍ جماعي، لن ينتهي عند حد، الأمر الذي يطرح بإلحاح مهمة العلاج المشترك للحالة السرطانية التي تواجهنا، ليس فقط عن طريق أجهزة مكافحة الإرهاب والاستراتيجيات الأمنية وإغلاق الحدود وتوسيع السجون، وإنما من خلال العمل على محاربة الأسباب التي أوصلت العالم إلى ما هو عليه، وفي طليعة ذلك مواجهة العنصرية والتمييز الديني والعرقي والثقافي، وإقامة جسور للتعاون الدولي، على أساس احترام حقوق الشعوب في تقرير مصيرها.
ومن غير المقبول بعد اليوم التبرير السائد في الشرق والغرب للإرهاب الدارج. ومع تزايد الجرائم الإرهابية لم يعد كافيا، ولا مقنعا، المنطق الذي ينسب الإرهاب إلى أفعال فردية معزولة، بل صار لزاما على الجميع التعامل مع هذا الوحش المفترس، من منطلق المسؤولية الأخلاقية عن أرواح البشر أولا، مثلما حصل، في مراتٍ كثيرة، عندما اتحدت البشرية لمواجهة حركاتٍ سياسيةٍ، شكلت خطرا كبيرا على الإنسانية، مثل النازية والفاشية. وفي المقام الثاني، يجب اتخاذ خطواتٍ شجاعةً على صعيد الاعتراف بالآخر، تبدأ بتجاوز الصور النمطية، وتصحيح الرؤى الثقافية المغلوطة التي تولد الكراهية والعنف، سيما وأن إرهابي نيوزيلندا اعتمد، في الأطروحة التي كتبها على نظرية "الإحلال الكبير" العنصرية للكاتب الفرنسي رونو كامو، وعنون نصه المكون من 74 صفحة بالعنوان نفسه. وأبدى المجرم الذي نفذ الجريمة بدافع ديني عرقي أسفه على عدم فوز ماري لوبان زعيمة حزب الجبهة الوطنية العنصري في الانتخابات الرئاسية الفرنسية 2017.
قالت رئيسة وزراء نيوزيلندا، جاسندا أرديرن، إنها لن تنطق اسم مرتكب الجريمة أبدا. وأضافت "ربما كان يسعى وراء الشهرة، لكننا في نيوزيلندا لن نعطيه شيئا. ولا حتى ذكر اسمه"، وأبانت هذه السيدة عن وجهٍ يستحق التحية والتقدير، لأنها تصرّفت بروحية إنسانية عالية، وأعطت درسا بليغا لكل السياسيين العنصريين والشعبويين في الاتجاهين الذين يعتاشون سياسيا على التحريض ضد الآخر المختلف. ورفضت بترفع أن تلفظ اسم الإرهابي، ولكنها لم تسقط عنه صفة الإرهاب الذي كشف في نيوزيلندا عن وجهٍ ظل العالم لا يريد أن يراه ويعترف به، لأنه يسقط القناع عن عدد غير قليل من حكام عالم اليوم، وفي مقدمهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

دلالات

1260BCD6-2D38-492A-AE27-67D63C5FC081
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد