بائع سورية

بائع سورية

16 مارس 2019
+ الخط -
يقول اللسان الشعبي: "اللي بتنخزو شوكة بيحس فيا". والشوكة التي تحسّ الأسدية بوخزها منذ سلمت الجولان لإسرائيل عام 1967 هي شوكة الوطنية. لذلك تلح عليها باعتبارها هوية حصرية لها، لا يجوز أن يشاركها أي سوري فيها، وتدّعي أنه لا شغل لها غير الدفاع عن الوطن، وحمايته، والموت في هواه، والبقاء في السلطة من أجله، بينما تتهم بالخيانة أي طرفٍ أو شخص يذكّرها بدورها في تاريخه الحديث، أو يتحفظ على ما يتعلق به من مواقفها وتصرّفاتها.
بعد ثورة الحرية عام 2011 التي كان أحد أهم أهدافها استعادة الوطن إلى صاحبه الشرعي: الشعب السوري، اختلقت الأسدية جملة أكاذيب لتبرير حربها ضده، باعتبارها دفاعا عن الوطن، ولأن أحدا لا يصدّق أن الشعب يمكنه أصلا خيانة وطنه، ويعلم جميع خلق الله أن الأسدية تبيد شعبها بسبب تمرّده عليها ورفضه عبوديتها، فقد فبركت مؤامرةً كونيةً ضد سورية، انخرط الشعب فيها، بدعمٍ خارجي، لذلك تشن الأسدية الحرب عليه، لتمنعه من تدمير وطنه.
استدعت الأسدية، بذريعة حماية الوطن من شعبه، تدخلا أجنبيا متنوعا إلى سورية، واستقدمت مرتزقة من أحط أصناف العالم السفلي، لحمايتها من مواطنيها، وفتحت وطنها أمام حرس إيران الثوري، وما تحت تصرفه من قتلةٍ محترفين في لبنان والعراق وأفغانستان وباكستان... إلخ، قبل أن يستدعي هؤلاد بدورهم روسيا التي قامت بغزوٍ منظم، صحبه احتلال للأرض السورية، وتوضعت فيها بطرقٍ توحي بأنها لن تغادره إطلاقا، بينما تحول من غزو وطنه، من دون أخذ الإذن منه إلى جثةٍ سياسية هامدة، وفقد كرامته رئيسا إلى درجةٍ غدا معها من المألوف أن تراه واقفا كأي ذليل وراء جندي روسي، أمره بالبقاء بعيدا عن سيده بوتين، وهو يستعرض، في مطار حميميم السوري، قوات الاحتلال الروسية، أو منزويا كالمنبوذ قرب جدار، بينما يرحّب بوتين بضابط سوري، يفترض أنه ينتمي إلى الجيش الذي يأتمر بأمره باعتباره قائدا عاما للجيش والقوات المسلحة السورية، ويعلن ناطقٌ باسم موسكو أنها ستحمل الأسد كامل المسؤولية عن أي سوء يتعرّض له عميلها.
عن أي وطن يدافع من سلّم سورية للغزاة والمرتزقة الإرهابيين، وساندهم، وهم يرتكبون قرابة أربعمائة مذبحة ضد آمنيها، ويتصارعون على كل شبرٍ من أرضها وجنديٍّ في جيشها، ثم لا يخجل من الحديث عن وطنٍ أفقده عداؤه لشعبه الحق في أن يكون من أبنائه، كما أفقدته هذا الحق طلقة البندقية الأولى على متظاهرٍ سلميٍّ طالبه بالحرية، ولقمة الطعام التي يحتاج إلى موافقة الغزاة وحثالات العالم السفلي على أكلها الذين شطروه إلى نصفين، ليس فيهما أثر لسورية أو للوطن: أحدهما في موسكو، والآخر في طهران التي زارها مشحونا بطائرة نقل عسكرية، من دون حرّاس أو مترجمين أو مرافقين، واستقبله ولي أمره خامنئي، بالطريقة المذلّة التي دأب بوتين على استقباله بها: من دون علم، ومن دون إشارة تدل على هويته ومنصبه، وسرّب خبرا يقول إن الرابطة التي ستشده إلى إيران، من الزيارة فصاعدا، هي الرابطة المذهبية التي تجمعه بالجمهورية الإسلامية، وأقسم يمين الطاعة والولاء لمرشدها الذي صار مرشده هو أيضا، بعد أن عيّنه قاسم سليماني رئيس مليشيا تابعة للحرس الثوري، مقابل حمايته من ... بوتين والثورة، وغضب حرس الملالي.
لن تعود سورية إلى هويتها وطنا، ما لم يسقط بائعها وأتباعه، ويخرج الغزاة الذين استقدمهم لحمايته من بناتها وأبنائها، ويستعيد شعبها حريته: الرصيد التأسيسي لوطنية جديدة تليق بثورته العظيمة.
باع الأسدان، الأب والابن، سورية وطنا: الأول ليصل إلى السلطة، والثاني ليحافظ عليها، فألغت الثورة عقود البيع بدمائها وتضحياتها، ويا درعا حنا معاكي للموت.
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.