المسلمون في كمبوديا وفيتنام

المسلمون في كمبوديا وفيتنام

14 مارس 2019
+ الخط -
في وسط وجنوب فيتنام مع الجزء المحازي لها من شرق كمبوديا، كانت توجد أكبر مملكة مسلمة في شرق شبه جزيرة الهند الصينية، وهي مملكة "التشامبا"، والتي ينحدر منها عرق "التشام"، والذي يشكل المسلمون غالبيته العظمي ومازالوا يعيشون في كمبوديا وفيتنام وبعض دول المهجر.
"مملكة تشامبا" كانت تعتنق الهندوسية قبل دخول أهلها في الإسلام، وبعض المصادر تُرْجِع بداية دخول الإسلام لهذه البلاد إلي بدايات ظهور الإسلام، وبعضها يرجع انتشار الإسلام فيها للقرن العاشر الميلادي، وبلغت هذه المملكة أوج ازدهارها في القرن العاشر، وبعد قرون دخلت في حروب مع الخمير في الغرب (كمبوديا) والفيتناميين في الشمال، وظلت تتآكل حتى عام 1832، حين ضم الإمبراطور الفيتنامي "مينه مانج" ما تبقى من أراضي التشام إلى مملكته نهائيا، واضطهد أهلها، وأسفر ذلك عن هجرة الملك المسلم الأخير للتشامبا "بو تشين" مع قومه إلى كمبوديا، كما فرّت مجموعة صغيرة إلى الشمال حيث جزيرة "هاينان" الصينية ومازالوا بها حتى الآن.
زرت مقاطعة "كامبونج تشام" في كمبوديا على حدود فيتنام، وهي المقاطعة التي هرب إليها غالبية المطرودين أو الناجين من مملكة تشامبا المسلمة، وذهبتُ إلي قرية بينها وبين الحدود الفيتنامية خمسة عشر كيلو متراً، وكان برفقتي أحد المدرسين العرب العاملين في مجمع تعليمي خيري يخدم أهل المنطقة، أثناء تجوالنا بالقرية علا صوت المؤذن بصلاة المغرب بأداء متقن وصوت ندي، توجهنا للصلاة في المسجد، وبعد الصلاة بادر المصلون بالسلام علينا، وجلسنا في حلقة تعارف بعد انتهاء الصلاة، تبادلت الحديث مع بعض الأساتذة والطلبة الكمبوديين من أهل القرية والعاملين في المجمع التعليمي وهم يتحدثون العربية بشكل مقبول، ودار الحديث في جزء منه حول مملكة التشامبا، فقالوا: نحن أحفاد هذه المملكة التي تشرد أهلها وجاء معظمهم إلي كمبوديا، ومازال على الطرف الفيتنامي يوجد آلاف المقابر للمسلمين الذين قُتِلوا أثناء حرب التطهير العرقي من الفيتناميين ضدهم في القرن التاسع عشر، ومازال بقايا قصر آخر ملوك التشامبا موجودا هناك، وأضافوا "يسوؤنا أن ندرس هنا ما تكتبه كتب التاريخ المدرسية عن انتصارات "الخمير" على مملكة "التشامبا" وكأن أهلها من الغزاة، على الرغم من أن سكانها هم سكان البلاد الأصليين، مثلهم مثل الخمير، وما زال هنا في كمبوديا يُقام أمام قصر ملك كمبوديا في العاصمة بنوم بنه مسابقة سنوية للقوارب، يشهدها الملك، ويتسابق فيها فرق من مختلف أنحاء كمبوديا، تخليداً لذكرى انتصار الخمير على مملكة التشامبا، ولكن اليوم توارت هذه الخلفية التاريخية وأصبح سباقاً قومياً احتفالياً يشارك فيه المسلمون!
وقد عانى المسلمون التشام كثيراً خلال فترة حكم الخمير الحمر في السبعينيات، أما الآن فالمسلمون في كمبوديا يتمتعون بحرية كاملة في ممارسة شعائرهم واتباع تعاليم دينهم، ويشاركون بمناصب رفيعة في كل مؤسسات الدولة.
وجدير بالذكر أن عدد المسلمين في كمبوديا قريب من المليون، ضمن ستة عشر مليوناً، هم سكان البلاد الذين يعتنقون البوذية في عمومهم، أما في فييتنام فيقل عددهم إلى حوالي 300 ألف وفق بعض التقديرات، وفييتنام بصفتها ما زالت دولة شيوعية تحت حكم الحزب الواحد والأوحد، فمظاهر التدين بصفة عامة ضعيفة، وتواجد المسلمين فيها ضعيف كذلك.
C89F4B84-7610-4788-B355-1A7EBEB820CB
C89F4B84-7610-4788-B355-1A7EBEB820CB
محمود صقر
كاتب مصري.
محمود صقر