نتنياهو يجيد السباحة

نتنياهو يجيد السباحة

02 مارس 2019
+ الخط -
إلى أي حدّ يُمكن إغراق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في الاتهامات الموجّهة إليه من المستشار القضائي أفيخاي مندلبليت؟ في الواقع، يُمكن دفع "بيبي" إلى السباحة، لكن من غير الممكن إغراقه. في البدء، تتضمن لائحة الاتهامات الموجّهة له الآتي: القضية الأولى هي "قضية 1000"، حيث يُشتبه في تلقي نتنياهو وأفراد من عائلته رشى بقيمة 750 ألف شيكل (240 ألف دولار) من المنتج الإسرائيلي الهوليوودي، أرنون ميلتشان، و250 ألف شيكل (72 ألف دولار) من الملياردير الأسترالي جيمس باكر. الثانية، "قضية 2000"، وتشتبه الشرطة في محاولة نتنياهو التوصل إلى اتفاق مع مالك صحيفة يديعوت أحرونوت، الناشر أرنون موزيس، تقوم بموجبها الصحيفة الإسرائيلية، بتغطية إيجابية عنه. أما قضية الرشوة المعروفة إعلامياً بملف" 4000" أو "قضية بيزيك"، وهي أكبر مجموعة اتصالات في إسرائيل، فمرتبطة بما إذا نتنياهو سعى إلى الحصول على تغطية إعلامية إيجابية في موقع "واللا" الإخباري الذي يملكه شاؤول إيلوفيتش، رئيس مجموعة بيزيك، في مقابل خدمات وتسهيلات حكومية عادت على مجموعته بمئات ملايين الدولارات. 
إذاً، قبل شهر ونيف على موعد انتخابات الكنيست في 9 إبريل/ نيسان المقبل، بدا وكأن رئيس الحكومة الإسرائيلية في مأزق، هو الأدقّ له منذ عودته إلى قيادة الاحتلال سياسياً، عام 2009. الآن، صحيحٌ أن تلك الاتهامات كفيلةٌ، على الورق، في إطاحة نتنياهو وعزله سياسياً، إلا أن هذا الأمر لن يحصل، لن يتكرّر مصير إيهود أولمرت. صحيحٌ أن نتنياهو ليس أفضل بالنسبة للإسرائيليين من مناحيم بيغن وآرييل شارون، لكن الظروف مناسبة له. في العقل الإسرائيلي، كان يُمكن إسقاط شارون وبيغن في أي انتخابات، من دون الشعور بـ"الخوف على مصير إسرائيل والإسرائيليين"، على اعتبار أن خليفة شارون وبيغن سيكون "مثلهما"، غير أن الوضع مختلف مع نتنياهو، فالرجل راكم خلال عشر سنوات حزمةً من "الإنجازات"، بدءاً من التوسّع الاستيطاني الكبير في الضفة الغربية المحتلة، من دون حدود ولا منع، مروراً بإقرار قانون "يهودية الدولة"، ثمّ شنّ الحروب على قطاع غزة، وضرب مواقع القوات الإيرانية وقوات النظام السوري وحزب الله في سورية، وصولاً إلى الحصول على إعلانٍ من الولايات المتحدة أن "القدس عاصمة أبدية لإسرائيل"، مرفقة بنقل سفارة واشنطن من تل أبيب إلى القدس المحتلة، فضلاً عن إطلاق مركبة فضائية إلى القمر، والتركيز على القطاعات التكنولوجية، من ريّ وزراعة وطاقة وتقنيات، بالإضافة إلى بدء التنقيب عن النفط. بنى نتنياهو اقتصاداً هو الأفضل لدى الإسرائيليين، على الرغم من تظاهرات طالبت بالمزيد. أما الأهم، فهو تمهيد نتنياهو الطريق أمام ما تسمّى "صفقة القرن" (خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية)، والتي يبدو فيها الإسرائيليون، وفق أدبياتهم، أقرب إلى تحقيق حلم الملك داوود، منذ ثلاثة آلاف عام.
في المقابل، ما هي أجندة منافسه الرئيسي بني غانتس وحليفه يائير ليبيد؟ في الواقع، لا يحمل تحالفهما مع مجموعة من الأحزاب الوسطية واليسارية أي شعار سوى "إسقاط نتنياهو"، من دون تحديد البدائل المُقنعة. بالتالي، لن تستمر استطلاعات الرأي، التي أعقبت تقديم لوائح الاتهام لنتنياهو، والتي ضربته بعض الشيء، لاعتبارات عدة، فالتهاوي في شعبية نتنياهو يعني حكماً غموضاً في مستقبل الإسرائيليين، وغانتس بالطبع ليس الشخص المناسب للإجابة على كل الأسئلة. عليه، سينجح نتنياهو في تمرير المرحلة، وسيبقى رئيساً للوزراء، مع دفعه بعض الأثمان، خصوصاً لحلفائه في اليمين المتطرّف لدعمه، كما أنه من المرجّح، وبنسبة كبيرة جداً، ألا يُقدم على أي حربٍ شاملة، لا في غزة ولا في لبنان ولا في سورية. سيكتفي بالغارات في القطاع وسورية. أما في لبنان، فإن نتنياهو معنيٌّ بالمحافظة على الهدوء، تكريساً لديمومة سياسة استخراج النفط. لن يغرق نتنياهو، كونه يجيد السباحة.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".