مجتمع عنيف

مجتمع عنيف

02 مارس 2019
+ الخط -
واضح أن سلوك المجتمع العربي أصبح عنيفا، وانفصل عن بعض قيم التسامح والسلم التي كان يمتثل لها، وطفت على السطح ظواهر نظنها دخيلة على النسيج العربي أو في أحلك الأحوال حالات شاذة يتبرأ منها الجميع. أكيد أن تجليات مظاهر العنف تثير القلق، وتتمثل كإفرازات لعوامل معقدة وعصية التفكيك تستدعي المساءلة والجدية في آن. من غير المقبول أن نتمسك بخطاب التغني بشيم العرب، ونتباهى بأخلاق الأجداد، وفي الوقت نفسه، نهمل كل ما يهدد إرثهم الحضاري وخصوصية وجودهم. ومن هنا، تأتي الحاجة الماسة إلى فكر نقدي، يمكننا من كشف الغمة واستيعاب حقيقة ما يقع بعقلانية من أجل مواجهة التحديات القائمة.
يعيش المواطن العربي في قلب منطقة مشتعلة تعرف غليانا مستمرا، أساسا، بفعل التدخل الخارجي والمؤامرات المتناسلة للسيطرة على خيرات المنطقة وفرض التبعية، خصوصا بعد زرع الكيان الصهيوني في قلب أحشائها، وفي أحد بقاعها الأكثر حساسيةً ورمزيةً للعرب، بمختلف دياناتهم. كيف للمواطن العربي أن يهنأ بالاستقرار في ظل وضع يبعث على الارتياب والشك؟ واضح أنّ المواطن العربي فقد الثقة في الآخر، واستغنى عن إبداء حسن النية، وصار يؤمن أكثر بنظرية المؤامرة ووجوب الحذر مما هو داخلي أو خارجي على حد سواء.
تتميز نفسية المواطن العربي حاليا بالتوتر والقلق، نتيجة تواتر الانكسارات وتراكم الإخفاقات، سواء المحلية أو الإقليمية، وعلى جميع الأصعدة، سياسية كانت أو اقتصادية أو ثقافية، وحتى العسكرية مع الغزو الاستعماري والعدو الصهيوني.
من الطبيعي أن يفقد الثقة في كل شيء، وأن يصبح سلبيا في تعامله مع المشهد السياسي، إذ توّلد لديه نزوح نحو اليأس والرفض والتمرد، وصار رهينة الماضي، وما صنعه الأجداد عوض الإقبال على المستقبل والانخراط في صناعته، فأضحى بذلك مطوّقا من جميع الجبهات بغياب البدائل والحلول والأمل والرؤية التي أجهزت عليها أنظمة مستبدة تحتكر كل شيء، وتكرس هيمنة الإمبريالية الرأسمالية التي جرّدت الإنسان من إنسانيته وحولته، على ما يبدو، إلى كائن اقتصادي مجرد من حرية الاختيار والقرار. يتجسد إذن العنف كتعبير عن الإحباط واليأس والجهل والخوف الذي يسكن النفس ويهدد استقرارها وإحساسها بالأمان وعن عدم قدرة الفرد على إشباع حاجاته الفيزيولوجية والاجتماعية.
كما أنّ شيوع مظاهر العنف، بجميع أنواعه، يظهر نتيجة منطقية لانتكاسة منظومة الأمن الروحي داخل البلاد العربية، وهشاشة أنساق قيامها، المؤسسة أساسا على ركائز مقاربة أمنية اختزالية متآكلة، ما فتح الباب على مصراعيه أمام توغل الفكر الظلامي المنحرف واشتغاله بفعالية داخل مرتع الجهل والضلال الذي أنتجته مناهج تعليمية مفلسة، تحارب قيام الفكر التنويري المعتدل والسليم. فوجدت طوابير ضحايا اليأس والتهميش ملاذها في أحضان فكر ظلامي، منغلق ومنحرف، أنتج الانغلاق والتشدد والانفراد بالرأي، وحارب الاختلاف والتنوع، واستغل معاناتها ووظفها في أعمال عنفٍ، استهدفت بني جلدتها من الأبرياء.
غني عن البيان القول إنّ ممارسات العنف التي نشهدها تعرف تعاملا عقيمًا من السلطات، إذ صارت واقعا نحاول أن نتعايش معه بخطط عقيمة وآنية عوض الإقدام على تغييره، وهنا مصدر العلة والخطر، فمتى سنرى الأمور على حقيقتها، ونترفع عن التعالي والتجاهل في التعامل معها؟
عزيز أشيبان
عزيز أشيبان
عزيز أشيبان
كاتب مغربي، يعرّف عن نفسه بالقول "نوعية اهتماماتك ومخاوفك تحدّد هويتك".
عزيز أشيبان