تعدد الاغتصاب

قلت ليوسف: ما بال هذا الاغتصاب الذي يطرق كل باب، الاغتصاب في الجريدة والتلفاز، الأخبار المفعمة بالتقزز والاستفزاز، فلا تكاد تخلو نشرة من الغصْب والغُصَّاب.

قال يوسف: وما تعنيه بالاغتصاب؟
قلت: وهل يحتاج الأمر إلى إيضاح، اغتصاب القاصرات والراشدات طبعاً، وشرح الواضحات من المُفضحات.
قال: قصدك قاصرٌ ناقصٌ مبْتور، فالغَصْب في المعاجم يعني الجبر والقهر والإكراه، والغصب تقصير في الواجبات أو المستحقات، والاغتصاب يسري على كل حق مستباح، والكذب على الناس اغتصاب، وخداع التجار والموظفين والعمال اغتصاب، وخيانة الأوطان اغتصاب ما بعده اغتصاب، والتأفف من نصائح الوالدين اغتصاب، والارتشاء والميز اغتصاب، والنقص من الأجور اغتصاب، والتزوير والتلفيق والتملق من أجل قضاء المصالح اغتصاب، ورمي الأزبال في الطرقات خلسة اغتصاب، وكتابة البذيء من الكلام على وجوه الجدران اغتصاب، واتخاذ التسول وشهادة الزور مهنةً اغتصاب، والانتقاص من قيمة المجدِّين الشرفاء اغتصاب، وقذف المحصنات انتقاما منهن اغتصاب، واتهام الأبرياء بما لم يقترفوا اغتصاب، واختلاق الصراعات بناءا على سوء النوايا اغتصاب، وتسليع الإبداع والتضليل اغتصاب، وقرصنة ثمرات جهود المبدعين والمفكرين اغتصاب، وعدم الاهتمام بشؤون الناس تضامنا معهم اغتصاب، وعدم العمل على خدمة الوطن اغتصاب، وادعاء الديمقراطية مع ممارسة "الديمهراوية" اغتصاب، والقصف للمُطالب بحقه بدل اللُّطْف به وإفهامه اغتصاب، والإسراف في استهلاك الموارد اغتصاب، وإذكاء نار التعصب بين أباء آدم اغتصاب، وترك طلب العلم للرفع من شأن الأوطان اغتصاب، وتمييع الإعلام اغتصاب، والتعالي على البسطاء والفقراء اغتصاب، والاحتكار للعلم والغداء اغتصاب، وعدم الوفاء بالوعود والعهود اغتصاب، وإضاعة الوقت في التافه والواهي والفارغ من الأمور اغتصاب، والانتقاد من أجل تثبيط العزائم اغتصاب، والإساءة إلى سمعة البلاد والعباد اغتصاب، والسكوت عن النهي عن المنكر والأمر بالمعروف اغتصاب، والشماتة بالصحاب والأحباب اغتصاب، وترك الصبايا عرضة للبلايا اغتصاب، والافتراء والادعاء والسلب من أجل الثراء اغتصاب.
قال: كفاك، فتعريفك يجعل كل مس بكرامة وسعادة وحقوق وأوطان الناس اغتصاب. فمتى نقول أن مجتمعا ما خال من الاغتصاب ؟
أراد أن يجيب فقاطعته قائلاً: لن يصير المجتمع كذلك حتى يعرف أهله ما لهم وما عليهم معتبرين كون أفضل الناس وأكرمهم أتقاهم وأحسنهم أخلاقاً.
الشمس تميل إلى الغروب إيذانا بمضي يوم سجل على البعض النفع والانتفاع، وسجل على البعض الخراب والخيانة والاغتصاب.
كانت السيارة البيضاء تنتظرنا ونحن عازمان على مغادرة المقهى بعد أن عبَبْنَا ما تبقى من كأسينا. كان كل مِنّا بلا شك يفكر في بيئة مثالية تخلو من الاغتصاب والانتحاب في زمن استفحال الاستهلاك إلى حد التوحش والهلاك والإهلاك والفتك والإرباك.