السيادة الغائبة

السيادة الغائبة

09 فبراير 2019
+ الخط -
الأميركي عند كثيرين هو سيد العالم اليوم؛ فأنت إن كنتَ في أي مكان على وجه الأرض، ومعك جواز سفر أميركي تُفتح لك الأبواب التي تُغلَق دون غيرك، وتَحِلُّ لك الأشياء التي تَحْرُمُ على مَن سواك، وتحظى بكل تقديرٍ واحترام؛ وما ذاك إلا لأنك أميركي!
بَيْدَ أنَّ الحقيقة أننا نظلم مفهومَ السيادة، حين نطلقه على من يمتلك القوة بينما يتجرد من الأخلاق. الوصف الصحيح لكل مَن يمتلك القوة، ويستخدمها للوصول إلى أهدافه، متجردًا من الأخلاق والقيم هو البلطجة.
ومِن ثَمَّ فإن أميركا التي تقتل وتظلم وتتآمر وتُشيعُ الفتن وتُشعِلُ الحروب بين الشعوب، لتجد سوقا رائجًا لأسلحتها وتفسد في الأرض وتصل إلى مصالحها، ولو كانت فوق جبلٍ من جماجم الأبرياء... إن أميركا بهذه الأخلاق هي بحق بلطجي العالَم لا سيدته؛ ذلك لأن السيادةَ أخلاقٌ.
السيادة خدمةٌ للناس، والسيادةُ نصرٌ للمظلوم وانتقامٌ من الظالم، والسيادةُ مساعدةٌ للمحتاج، والسيادةُ نشرٌ للعدل، وإعمارٌ للأرض وإشاعةٌ للسلام، تِلْكُمْ هي السيادة، فهل لمثل أميركا منها نصيب؟ وهل عرف العالَم السيادةَ بهذه المواصفات إلا في عهد المسلمين؟ وهل نصر القبطيَّ الذي جاء من مصر إلى المدينة المنورة يشكو حاكمَها، عمرو بنَ العاص، إلا أميرُ المؤمنين عمرُ بن الخطاب، ينصر غيرَ مسلمٍ على واحدٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم!!
وما ذاك إلا نصر للأخلاق والقيم التي جاء بها الإسلام وقيامًا بالقسطِ لله ولو على الوالدَين والأقربين، وأمثلة ذلك أكثرُ مِن أَنْ يُحصيها مقال. كأني بقارئ يقول: بل التاريخُ يشهد كذلك على ما اعترى عهدَ الخلافة الإسلامية من مظالم ومفاسد. نقول: نعم، وكيف لا وهي كيانٌ يقومُ عليه بشرٌ يُصيبون ويُخطئون؟
ولكنَّ أيَّ قاريءٍ للتاريخ منصِفٍ يستطيع أن يُدرِك بسهولة أنَّ ما أصابَ العالَمَ خلال حكمهِ تحت الخلافة الإسلامية مِنْ عَدلٍ وسلامٍ وتسامحٍ ورخاء أكبرُ بكثيرٍ جدا مما يمكن أن يكون قد مَسَّهُ مِن أذَىً أو ظلمٍ أو فساد.
العالَم منذ غابت شمسُ الخلافة الإسلامية الرشيدة صار كالأيتام على موائد اللئام، كلٌّ منهم يَدَّعي أنه سيدُه، وما هم إلا بلطجيةٌ وقاطعو طريق. ولا يزال العالَم الحائرُ المَنكودُ يبحث عن سيده الحقيقي الذي لم يذق طعمَ الراحة عبر تاريخه الطويل إلا في ظل سيادتِه.
D097F4C2-160E-4B11-A1E0-5345D21DFB1C
D097F4C2-160E-4B11-A1E0-5345D21DFB1C
حمدي محمود (مصر)
حمدي محمود (مصر)