حكومة لبنانية برئيس فخري وتوازن هش

حكومة لبنانية برئيس فخري وتوازن هش

06 فبراير 2019
+ الخط -
بعد أكثر من ثمانية أشهر من الفراغ الحكومي، والشلل المؤسساتي، والتدهور الاقتصادي الذي كاد يجعل من لبنان دولة فاشلة، ولدت حكومة سعد الحريري الثالثة، كما أرادها حزب الله. هل هي فقط نتاج قدراته ووهج سلاحه، ما جعل من لبنان محمية إيرانية أم نتيجة ضعف الآخرين، وتغليبهم لمصالحهم الشخصية والفئوية؟ تم الإفراج عن الحكومة الجديدة، بعد أن تحقق شرطان: إيجاد الدول الأوروبية آلية للمبادلة التجارية مع إيران، من أجل الالتفاف على العقوبات الأميركية، فأعطت طهران الضوء الأخضر، ثم رضوخ فرقاء الداخل لشروط حزب الله، بما يخص التركيبة والأحجام. كما أن مؤتمر وارسو الذي دعت إليه واشنطن، سيُعقد في منتصف شهر فبراير/ شباط الجاري، لحشد القوى ضد طهران، عجل أيضاً في تسريع الإفراج عن الحكومة.
تألفت الحكومة الجديدة، كما درجت العادة في العقود الثلاثة الأخيرة بعد اتفاق الطائف (1989)، من ثلاثين وزيراً، ثلثهم تقريباً لا تسند إليه حقائب فعلية، ولا ينتج شيئاً، وإنما يتم تعيينهم لمراعاة التوازن المحكم والمتقن للحصص الطائفية والمذهبية والمناطقية بين مختلف القيادات السياسية والحزبية، فمن أصل ثلاثين وزيراً، تحصل الطوائف الرئيسية الثلاث؛ المسيحيون والسنة والشيعة، كل منها، على ستة وزراء، وتوزّع الحقائب الأخرى المتبقية على الأحزاب والطوائف الصغرى. وهكذا حصل "الثنائي الشيعي" (حزب الله وحركة أمل) على المقاعد الستة المخصصة للشيعة، وتوزعت الوزارات الستة المخصصة للمسيحيين بين التيار 
الوطني الحر (العوني) والقوات اللبنانية وتيار المردة (سليمان فرنجية). وبقيت مسألة توزيع المقاعد السنية التي تؤول عادة إلى الحريري، والدرزية التي تذهب بمجملها إلى وليد جنبلاط.
وكان حزب الله قد قرّر، بالتواطؤ مع "التيار العوني"، وضع قانون انتخابي، يسمح بشرذمة تركيبة مجلس النواب، وتمكينهم من الحصول على مقاعد إضافية، فعملوا تسعة أشهر على تفصيل قانون انتخابي هجين، يعتمد مبدأ النسبية المقنعة، عبر فرض صوت تفضيلي واحد وحصره بالدائرة الضيقة. وكانت النتيجة تحجيم تيار الحريري الذي كان يمثل أكبر كتلة برلمانية، وخسارته 12 مقعداً عما كان عليه في المجلس السابق، وفوز نواب سنة لأول مرة منذ 2005 محسوبين على حزب الله ومحور الممانعة الأسدي الإيراني. كما خسر جنبلاط، بسبب هذا القانون، عدداً من المقاعد، فيما زادت كتلة العونيين نحو عشرة مقاعد، وتمكّن نصر الله من إحكام قبضته بالكامل (مع رئيس حركة أمل نبيه برّي) على كل المقاعد الشيعية. وفي المقابل، تمكن حزب القوات اللبنانية من مضاعفة عدد مقاعده، ولكن تمت محاصرته، وأعطي أربع وزارات هامشية.
وهنا بدأ الكباش الذي أراده حزب الله من أجل انتزاع أحادية تمثيل الحريري الطائفة السنية، ومساهمة رئيس التيار العوني، جبران باسيل، في تفتيت كتلة جنبلاط، تمهيداً للسيطرة على الحكومة. وعمل حزب الله على تجميع ستة نواب سنة في تكتل واحد، وأصرّ على أن يتمثلوا في الحكومة في مواجهة الحريري، فيما أصرّ باسيل على تمثيل خصم جنبلاط الدرزي طلال أرسلان، على الرغم من أن لا كتلة نيابية لديه، ولا يمثل إلا نفسه. رفض الحريري طبعاً تمثيل نواب سنة معادين له، وأصر على ذلك في هذه الأشهر الطويلة، وقابله إصرار جنبلاط على رفض إعطاء مقعد وزاري لأرسلان من حصته، غير أنه لم يصمد طويلاً، بعد أن شعر أن الحصار هو مثلث الأضلع "عوني - حزبللاوي - سوري"، فاضطر إلى التراجع في منتصف الطريق. وفي التوازي، كان هناك كباش أهم وصامت، وغير ظاهر في البداية، بين التيار العوني وحزب الله، إذ كان الأول يسعى إلى الحصول على ما يسمى "الثلث المعطل" (الثلث + 1) في الحكومة، أي 11 وزيراً من أصل 30، لتتسنّى له السيطرة على القرار، والتحكّم بمصير الحكومة. وهي بدعةٌ تم اختراعها عبر تفسير خاطئ ومقصود لفكرة الثلث زائداً واحداً التي أضيفت إلى الدستور، ضمانة لاستقرار عمل الحكومة، بما يمنع على أي طائفةٍ (المسيحيون والسنة والشيعة) التفرّد بإسقاط الحكومة أو شلها. وهذا ما حصل مثلاً في بداية 2011، عندما كان سعد الحريري لأول مرة رئيساً للحكومة، ثم أسقطها حزب الله والتيار العوني، باستمالة وزير شيعي إلى وزرائهم العشرة.
ويبدو واضحاً مما تقدّم أن رئيس التيار العوني، جبران باسيل، يسعى إلى ضمان إمساكه 
بالقرار وبالأكثرية داخل مجلس الوزراء، تحسباً لأي طارئ قد يحصل. وهذا يعكس نوعاً من عدم الثقة بما سيكون عليه موقف حزب الله الذي قطع وعداً لسليمان فرنجية بدعمه في معركة الرئاسة المقبلة. وبما أن الحسابات الداخلية والخارجية ليست متطابقة تماماً، وأن حزب الله يعتبر أنه قد وفى بوعده لعون، وأبقى موقع الرئاسة شاغراً سنتين ونصف السنة، من أجل فرض انتخابه رئيساً، فقد أصر على عدم إعطاء التيار العوني "الثلث المعطل". وبما أنه غير مطمئن إلى ما ستؤول إليه الأمور في سورية، بالنسبة له ولإيران، فقد مارس الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، فائض القوة لديه، الناتج عن امتلاكه السلاح، واستمر قابضاً على الحكومة ورئيسها أكثر من ثمانية أشهر، طالما لم ينفذ الشرطين اللذيْن قرّر أن لا حكومة من دونهما، أي تحقيق اختراقٍ في الساحة السنية لتحجيم الحريري، وتنفيس الاحتقان المذهبي عبر استعمال النواب السنة ووضعهم في مواجهة رئيس الحكومة. والثاني منع رئيس الجمهورية (ومعه باسيل)، الذي رفض هو أيضاً توزير سني من خارج كتلة الحريري، من الإمساك بقرار الحكومة عبر "الثلث المعطل"... إلى أن قضي الأمر، وتراجع الاثنان. اضطر الحريري الذي يبدو منشغلاً فقط في كيفية إعادة تقويم وضعه المالي للتراجع والقبول بتوزير أحد أعتى المحسوبين على النظام السوري ممثلاً للنواب الستة السنة. أما رئيس الجمهورية فتراجع هو الآخر عما كان قاله علناً، وقبل بتوزير سني "ممانع"، يجلس، بحسب التسوية، التي ابتدعها حزب الله في كتلة نواب التيار العوني، ولكنه عند التصويت يقف إلى جانب النواب السنة الستة وحزب الله. وهذا ما اصطلح على تسميته في لبنان "الوزير الملك" الذي يكون ضمن حصة الرئيس، وعندما تدق ساعة النفير يصبح في معسكر حزب الله! فضلاً عن أن وزارة الصحة قد أوكلت لأول مرة إلى وزير محسوب على حزب الله، ووزارة شؤون النازحين السوريين قد أوكلت إلى درزي محسوب أيضاً على أرسلان والنظام السوري، فيما أسندت وزارة مهجري الحرب اللبنانية إلى وزير عوني، ومن منطقة الشوف معقل جنبلاط بالذات.
إلى متى يمكن أن تصمد هذه التركيبة الحكومية، وهذا التوازن الهش الذي يحمل في داخله
 بذور انفجاره في أي لحظة؟ ولماذا غضّت الولايات المتحدة الطرف عن حكومةٍ كهذه، فيها أرجحية واضحة لصالح حزب الله وإلى متى؟ حذرت إدارة ترامب مراراً وتكراراً من مشاركة حزب الله في الحكومة، ومن مغبة إسناد وزارة الصحة إلى ممثل له. من الصعب الاعتقاد أن الولايات المتحدة ستفرط بمصالحها في المنطقة، وخصوصاً في ضوء الحصار الذي تفرضه على إيران، وعلى حزب الله بالذات، وبحلفائها في لبنان والمنطقة. وماذا عن موقف إسرائيل والدور الذي تضطلع به في التصدّي للنفوذ الإيراني في سورية ولبنان، فهذا رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتانياهو، يسارع إلى تحذير ترامب من أن حزب الله بات يسيطر على الحكومة الجديدة في لبنان. وهل إن مظلة "محور الممانعة" كافية لحماية الحكومة والاستقرار في لبنان؟
5231ACF6-F862-4372-9158-B1655EE52A60
سعد كيوان

صحافي وكاتب لبناني، عمل في عدة صحف لبنانية وعربية وأجنبية.